هيئة الأوراق المالية الأمريكية تُحوّل أولوياتها نحو مكافحة الاحتيال الكلاسيكي وتتراجع عن قضايا التشفير تحت قيادة بول أتكينز
هيئة الأوراق المالية الأمريكية تُحوّل أولوياتها نحو مكافحة الاحتيال الكلاسيكي وتتراجع عن قضايا التشفير تحت قيادة بول أتكينز
غالبًا ما يتعلق التنظيم بما لا تفعله الجهة التنظيمية بقدر ما يتعلق بما تفعله. وتحت قيادة رئيسها الجديد بول أتكينز، تُظهر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) ذلك بوضوح أكثر من أي وقت مضى. إذ تتجه الهيئة الآن بعيدًا عن الرقابة الصارمة على قضايا تسجيل أصول التشفير، لتعود إلى جوهر مهمتها التاريخية: ملاحقة قضايا الاحتيال الكلاسيكية مثل مخططات بونزي، والتداول بناءً على المعلومات الداخلية، والتلاعب في الأسواق.
هذا التحول بدأ بالفعل في التأثير على الأسواق، وشركات التكنولوجيا المالية، والمستثمرين على حد سواء.
ما الذي يتغير داخل الهيئة؟
1. إعادة ترتيب الأولويات: التركيز على الاحتيال لا التفاصيل التقنية
في جوهر الاستراتيجية الجديدة، تسعى الهيئة للعودة إلى “مهمتها الأساسية”: مكافحة الاحتيال الصريح والواضح.
تحت قيادة أتكينز، باتت إدارة الإنفاذ في الهيئة تركّز على القضايا التقليدية ذات الأثر الكبير مثل مخططات بونزي، والتداول الداخلي، والتلاعب السعري، والاحتيال المالي المباشر. هذه القضايا تُظهر ضررًا فعليًا للمستثمرين وتستند إلى سوابق قانونية واضحة.
في المقابل، تتراجع الهيئة عن قضايا تسجيل الأصول الرقمية والرموز المشفّرة، التي كانت في عهد الرئيس السابق جريئة ومثيرة للجدل.
2. تقليل الإفصاح العلني وتحديث آليات العمل الداخلية
يتغير أيضًا أسلوب الهيئة في إدارة ملفاتها الداخلية والإفصاح العام عن القضايا:
خفّضت الهيئة عدد الإعلانات العامة عن القضايا والإجراءات التنفيذية، بحيث تُحلّ بعض القضايا بهدوء دون ضجيج إعلامي.
أصبحت صلاحيات إصدار أوامر التحقيق الرسمية أكثر خضوعًا للمراجعة والموافقة المسبقة من قبل مفوضي الهيئة.
كما تم تخفيض أولوية الانتهاكات الفنية أو الإدارية، مثل مشكلات حفظ السجلات أو الأخطاء الإجرائية، والتركيز بدلًا من ذلك على الإشعار المبكر وفرص التصحيح الطوعي قبل فرض العقوبات.
بهذه الطريقة، تحاول الهيئة بناء علاقة أكثر تعاونًا مع الشركات، وتخفيف الانطباع بأنها جهة "اصطياد الأخطاء".
ما الذي يدفع هذا التحول؟
عدة عوامل تقف وراء إعادة التوجيه هذه:
إعادة توجيه استراتيجية:
يرى أتكينز أن موارد الهيئة يجب أن تتركز على القضايا ذات التأثير الأعلى، أي تلك التي تتضمن احتيالًا فعليًا وتضر بالمستثمرين، بدلًا من القضايا الفنية الصغيرة.
البيئة السياسية والتنظيمية:
يمتلك قطاع الأصول المشفّرة نفوذًا سياسيًا قويًا، ويضغط لتخفيف القيود التنظيمية. كما أن المناخ السياسي الحالي في واشنطن أكثر ميلًا إلى تقليل التدخل في صناعة التشفير.
إعادة التوازن المؤسسي:
تسعى الهيئة من خلال هذه السياسة إلى تحسين علاقتها بالمؤسسات المالية، والحد من الإفراط التنظيمي، وتشجيع ثقافة الامتثال الطوعي بدلًا من الخوف من العقوبة.
باختصار، لا يتعلق الأمر بتجاهل المخالفات، بل بإعادة تحديد ما يستحق أن يكون أولوية حقيقية.
المخاطر والتحديات
رغم إيجابيات هذه المقاربة، إلا أنها تحمل مخاطر لا يُستهان بها:
غموض الحدود التنظيمية
عندما تصبح الخطوط الفاصلة بين ما يُعتبر مخالفة تستوجب العقوبة وما يُعتبر “قابلًا للتصحيح” غير واضحة، قد يجد المتعاملون في السوق أنفسهم في منطقة رمادية مربكة.