فائض الصين التجاري القياسي البالغ تريليون دولار يسلّط الضوء على اختلالات اقتصادية هيكلية

ومضة الاقتصادي

فائض الصين التجاري القياسي البالغ تريليون دولار يسلّط الضوء على اختلالات اقتصادية هيكلية

لطالما ارتبط الاقتصاد الصيني بدوره باعتباره «مصنع العالم». وفي عام 2025، أصبح هذا الدور أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. ففي الأشهر الإحدى عشرة الأولى من العام، سجّلت الصين فائضًا تجاريًا في الصادرات قُدّر بنحو تريليون دولار، وهو الأكبر في تاريخها. وعلى السطح، يبدو هذا الرقم إنجازًا لافتًا يعكس قوة التصنيع والقدرة التنافسية العالمية والمرونة في بيئة دولية صعبة. غير أن ما يكمن خلف هذا العنوان البارز قصة أكثر تعقيدًا، تسلّط الضوء على اختلالات هيكلية مستمرة داخل الاقتصاد الصيني، وعلى توترات متصاعدة في الخارج.

في جوهره، يعني الفائض التجاري أن الدولة تصدّر أكثر مما تستورد. وبالنسبة للصين، واصلت صادرات الإلكترونيات والآلات والمركبات والمكوّنات الصناعية ارتفاعها، حتى في الوقت الذي تكافح فيه العديد من الاقتصادات الغربية مع تباطؤ النمو. وقد نجحت الشركات الصينية في اقتناص حصص متزايدة من السوق العالمية بفضل الحجم الكبير، والكفاءة في التكاليف، والتقدّم التكنولوجي المتزايد. كما ساهم ضعف قيمة الرنمينبي في تعزيز القدرة التنافسية، ما جعل السلع الصينية أرخص في الأسواق الخارجية.

لكن الوجه الآخر لهذه الهيمنة التصديرية يتمثّل في ضعف الطلب الداخلي. فلم يتعافَ الاستهلاك المحلي في الصين بالقوة التي كان صانعو السياسات يأملونها بعد سنوات من الاضطرابات المرتبطة بالجائحة وأزمة سوق العقارات. ولا تزال الأسر الصينية تتسم بالحذر، فتدّخر أكثر وتنفق أقل. وقد أثّرت المخاوف بشأن أمن الوظائف وتراجع أسعار المنازل وديون الحكومات المحلية سلبًا في ثقة المستهلكين. ونتيجة لذلك، لجأت المصانع بشكل متزايد إلى الأسواق الخارجية لتحقيق النمو، معتمدة على المشترين الأجانب لاستيعاب فائض الإنتاج.

هذا الاختلال ليس جديدًا، غير أن حجم الفائض الحالي أعاد تسليط الضوء عليه. وغالبًا ما ينظر الاقتصاديون إلى الاعتماد المفرط على الصادرات بوصفه نقطة ضعف أكثر منه مصدر قوة. فعندما يتباطأ الطلب العالمي أو تتدهور العلاقات التجارية، يمكن أن يتراجع النمو القائم على التصدير بسرعة. كما أن الفوائض المستمرة قد توتّر العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الشركاء التجاريين، ولا سيما عندما يواجه هؤلاء الشركاء تحديات اقتصادية خاصة بهم.

هناك عدة عوامل تقف وراء المسار الحالي للصين. أولها الاستراتيجية الصناعية الموجّهة للتصدير، التي ضاعفت الاستثمار في التصنيع المتقدم، والمركبات الكهربائية، والبطاريات، ومعدات الطاقة المتجددة. وتستفيد هذه القطاعات من استثمارات كبيرة، واقتصادات الحجم، وسياسات داعمة. العامل الثاني هو استمرار ضعف الاستهلاك المحلي، الذي ثبتت صعوبة إنعاشه من دون تحفيز أكثر جرأة يركّز على الأسر. أما العامل الثالث فيتعلق بسعر الصرف؛ إذ أسهم تراجع قيمة الرنمينبي في دعم المصدّرين، لكنه في المقابل جعل الواردات أكثر كلفة، ما زاد من ضعف الطلب المحلي على السلع الأجنبية.

تم نسخ الرابط