الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يخفض أسعار الفائدة مجددًا وسط انقسام داخلي في السياسات

ومضة الاقتصادي

الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يخفض أسعار الفائدة مجددًا وسط انقسام داخلي في السياسات

عندما أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عن خفض جديد في أسعار الفائدة، بخفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى نطاق 3.50%–3.75%، كان الهدف من القرار إظهار الاستجابة لتباطؤ الاقتصاد. إلا أن هذه الخطوة سلطت الضوء على أمر أعمق: اتساع الانقسام الداخلي داخل أقوى مؤسسة اقتصادية في الولايات المتحدة. ففي حين يعكس خفض الفائدة القلق حيال تباطؤ سوق العمل واستمرار الضغوط التضخمية، فإنه يكشف أيضًا عن حالة من عدم اليقين بشأن المسار المستقبلي للسياسة النقدية.

على مدى العامين الماضيين، كانت مهمة الاحتياطي الفيدرالي واضحة: كبح التضخم من دون دفع الاقتصاد إلى الركود. غير أن هذا التوازن بات اليوم أكثر هشاشة. فقد تراجع التضخم عن ذروته، لكنه لا يزال عند مستويات تقلق صانعي السياسات. وفي الوقت نفسه، بدأت مؤشرات سوق العمل، التي كانت تتمتع بمرونة لافتة، تُظهر علامات تباطؤ. فقد تباطأ نمو الوظائف، وأصبحت خطط التوظيف أكثر حذرًا، وبدأت ضغوط الأجور في الاعتدال. وفي هذا السياق، جاء قرار خفض الفائدة ليقدّم دعمًا حذرًا من دون الإفراط في تحفيز الطلب.

غير أن القصة الحقيقية لا تكمن في الخفض بحد ذاته، بل في الخلافات التي تقف خلفه. إذ تشير تقارير إلى أن قيادة الاحتياطي الفيدرالي باتت أكثر انقسامًا بشأن مدى سرعة وعمق خفض أسعار الفائدة. فهناك من يرى أن الاقتصاد يحتاج إلى تيسير استباقي لتفادي تباطؤ أشد، بينما يحذّر آخرون من أن التضخم لم يُحتوَ بالكامل بعد، وأن خفض الفائدة المبكر قد يعيد إشعال الضغوط السعرية. وقد ازداد هذا التوتر مع اقتراب رئيس المجلس، جيروم باول، من المراحل المتأخرة من ولايته، ما أضفى بعدًا سياسيًا ومؤسسيًا على النقاش.

وتتعدد العوامل التي دفعت إلى خفض الفائدة. فقد تباطأ النمو الاقتصادي مقارنة بذروة ما بعد الجائحة، نتيجة تشديد الأوضاع المالية وتراجع أثر التحفيز المالي. وأصبح المستهلكون أكثر انتقائية في إنفاقهم، في حين تعيد الشركات تقييم خطط الاستثمار في ظل ارتفاع تكاليف الاقتراض. وفي المقابل، لا يزال التضخم، ولا سيما في قطاع الخدمات، عنيدًا ويقاوم التراجع بالوتيرة المأمولة. ويعكس قرار الاحتياطي الفيدرالي محاولة لموازنة هذه التيارات المتعارضة بحذر.

لكن الانقسام الداخلي في السياسة النقدية يحمل في طياته مخاطر خاصة. فالأسواق المالية تعتمد على الوضوح، والإشارات المتضاربة من الاحتياطي الفيدرالي قد تقوّض الثقة. وعندما يبدو صانعو السياسات منقسمين، يواجه المستثمرون صعوبة في تسعير المسار المستقبلي للفائدة بدقة. وقد يترجم هذا الغموض إلى تقلبات في مختلف فئات الأصول، من الأسهم والسندات إلى العملات.

وتُعد أسواق السندات شديدة الحساسية لهذه التطورات. فحركات العائدات تعكس غالبًا توقعات الأسواق بشأن قرارات الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية، وأي رسائل متناقضة قد تؤدي إلى إعادة تسعير مفاجئة. وإذا اعتقدت الأسواق أن المجلس قد يغير مساره أو يخفض الفائدة بوتيرة أسرع من المتوقع، فقد تشهد العائدات طويلة الأجل تقلبات حادة. وهذا بدوره يعقّد قرارات الاقتراض للحكومات والشركات والأسر على حد سواء.

تم نسخ الرابط