اقتصاد الهند يدخل مرحلة غولديلوكس النادرة مع تسارع النمو وبقاء التضخم منخفضًا
اقتصاد الهند يدخل مرحلة غولديلوكس النادرة مع تسارع النمو وبقاء التضخم منخفضًا
تعيش الهند لحظة اقتصادية نادرة لا تتمتع بها إلا قلة من الاقتصادات الكبرى: نمو سريع من دون الآلام التضخمية المعتادة. فمع توسع الناتج المحلي الإجمالي بمعدل يتجاوز 8 في المئة، وبقاء التضخم عند مستويات منخفضة بشكل غير معتاد، يبدو أن البلاد دخلت مرحلة اقتصادية كلية تُعرف بـ«غولديلوكس» لا ساخنة أكثر من اللازم ولا باردة، بل في توازن مثالي ظاهريًا.
وبالنسبة لصنّاع السياسات والشركات والمستهلكين على حد سواء، فإن هذا المزيج لافت للنظر. فالنمو المرتفع غالبًا ما يضغط على الأسعار والعملات والاستقرار المالي، بينما يرتبط التضخم المنخفض عادة بضعف الطلب وتباطؤ النشاط الاقتصادي. غير أن التوازن الحالي في الهند يتحدى هذه القاعدة، ما يعزز التفاؤل داخليًا ويجذب اهتمام المستثمرين العالميين الباحثين عن فرص نمو في عالم يزداد عدم يقين.
ما الذي يقف وراء هذه المرحلة المواتية؟
تضافرت عدة عوامل لخلق هذا المناخ الاقتصادي الاستثنائي.
في صميم هذه العوامل تقف السياسة النقدية. فقد نفّذ بنك الاحتياطي الهندي عدة تخفيضات على سعر إعادة الشراء خلال العام الماضي، ما خفّض تكاليف الاقتراض في مختلف أنحاء الاقتصاد. وأسهم الائتمان الأرخص في تحفيز الاستهلاك، وتشجيع الاستثمار الخاص، ودعم نشاط الإسكان والبنية التحتية، من دون التسبب في قفزة فورية في الأسعار.
في الوقت نفسه، تؤدي العوامل الهيكلية دورًا محوريًا. فالطبقة الوسطى المتنامية في الهند تواصل دفع عجلة الاستهلاك المحلي، في حين وفّر الإنفاق الرأسمالي الحكومي قاعدة استثمارية قوية. كما أن الميزانيات العمومية للشركات، التي أصبحت أكثر متانة مما كانت عليه قبل عقد، أتاحت للشركات الاستثمار بدل التركيز على خفض المديونية.
وعلى جانب العرض، ساعد تحسن الخدمات اللوجستية والرقمنة ومكاسب الإنتاجية في قطاع الخدمات على امتصاص الطلب المتزايد من دون خلق اختناقات. وبمجملها، سمحت هذه العوامل بتسارع النمو مع بقاء التضخم قريبًا من الحد الأدنى لنطاق راحة صناع القرار.
لماذا بقي التضخم منخفضًا؟
قصة التضخم لا تقل أهمية عن أرقام النمو. فقد ظلت أسعار الغذاء، وهي محرك رئيسي للتضخم في الهند، تحت السيطرة نسبيًا رغم الاضطرابات المناخية المتقطعة. كما كانت أسعار السلع العالمية أكثر اعتدالًا مقارنة بصدمات السنوات الأخيرة، ما خفف الضغوط على تكاليف الوقود والمدخلات.
إضافة إلى ذلك، حدّت سلاسل الإمداد الأقوى والمنافسة في الأسواق المحلية من قدرة الشركات على تمرير التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين. وفي العديد من القطاعات، لعبت تحسينات الإنتاجية واقتصادات الحجم دور كوابح طبيعية للتضخم.
وبالنسبة للأسر، تُرجم ذلك إلى ارتفاع الدخل الحقيقي. فمع نمو الأجور وتراجع التضخم، تحسنت القدرة الشرائية، ما دعم الاستهلاك من دون تآكل المدخرات بالسرعة التي تشهدها البيئات عالية التضخم.
المخاطر الكامنة تحت السطح
رغم موجة التفاؤل، لا يستفيد الجميع بالقدر نفسه من مرحلة «غولديلوكس».
فالتضخم المنخفض، رغم إيجابيته للمستهلكين الحضريين والمقترضين، قد يخلق ضغوطًا انكماشية على المزارعين. فعندما تركد أسعار المحاصيل أو تنخفض، تتضرر دخول المناطق الريفية، ما قد يوسع الفجوة بين المدن والأرياف. كما يواجه المدخرون، ولا سيما المتقاعدون والأسر المحافظة، تحديات مع تراجع العوائد على الاستثمارات ذات الدخل الثابت نتيجة انخفاض أسعار الفائدة.