استثمارات الذكاء الاصطناعي تواجه رياحًا معاكسة مع ارتفاع عوائد الخزانة الأمريكية
استثمارات الذكاء الاصطناعي تواجه رياحًا معاكسة مع ارتفاع عوائد الخزانة الأمريكية
أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) نجم الاستثمارات العالمية في السنوات الأخيرة. من عمالقة الحوسبة السحابية إلى صانعي الرقائق، الكل يسابق الزمن لبناء البنية التحتية (مراكز البيانات، المعالجات المتخصصة، أنظمة التبريد) التي تدعم تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. لكن عاملًا أقل بريقًا يهدد بإبطاء هذا الزخم: الارتفاع الحاد في عوائد الخزانة الأمريكية.
فعندما ترتفع عوائد السندات طويلة الأجل، تصبح تكاليف الاقتراض أعلى، وتبدو الحسابات خلف المشاريع الممولة بالديون أكثر خطورة. ما كان يُعتبر رهانًا منخفض التكلفة على نمو المستقبل قد يتحول إلى مقامرة مثقلة بالرافعة المالية.
الحقائق والبيانات الأساسية
من المتوقع أن ترفع شركات "هايبر سكيل" (المشغّلون الكبار للحوسبة والذكاء الاصطناعي) الإنفاق الرأسمالي في 2025 بشكل حاد، مدفوعًا أساسًا باحتياجات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
لكن ارتفاع عوائد السندات الأمريكية طويلة الأجل يدفع تكاليف الاقتراض إلى الأعلى، ما يهدد جدوى الاستثمارات الممولة بالديون في هذا القطاع.
نظرًا لأن البنية التحتية للذكاء الاصطناعي كثيفة رأس المال (تتطلب استثمارات ضخمة في العتاد، والطاقة، والعقارات، والتبريد)، فهي حساسة بشكل خاص لارتفاع أسعار الفائدة.
قد يتغير شعور السوق تجاه أسهم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إذ يُعاد تقييمها في ظل ظروف مالية أكثر تشددًا.
المحركات الأساسية وراء الضغط
تحوّل في النظام الاقتصادي الكلي
التقلبات في التضخم، توقعات أسعار الفائدة، وهوامش المخاطر كلها تدفع عوائد السندات للأعلى. هذا يرفع "عتبة العائد" التي يجب أن تتجاوزها استثمارات الذكاء الاصطناعي لتكون مجدية عند استخدام الديون.
حساسية البنية التحتية للذكاء الاصطناعي
هذه الاستثمارات ليست تدريجية؛ بناء مركز بيانات أو مصنع رقائق لا يتم على نطاق صغير. حجمها الضخم يعني أن أي ارتفاع طفيف في أسعار الفائدة يمكن أن يقضم الأرباح والعوائد بشكل كبير.
تغيّر التقييمات السوقية
عندما يكون التمويل الرخيص عنصرًا أساسيًا في قصص النمو، فإن زواله يجبر المستثمرين على إعادة التقييم. وقد تتعرض الشركات الأكثر اعتمادًا على النمو والديون لضغوط كبيرة.
المخاطر والتحديات
عبء الديون وتكلفة خدمتها
الشركات المثقلة بالديون قد تجد صعوبة في سداد فوائد أعلى، مما يضغط على التدفقات النقدية.
ضعف جدوى نماذج العائد على الاستثمار (ROI)
الكثير من التوقعات كانت مبنية على تكلفة تمويل منخفضة. ارتفاعها قد يُفشل بعض الحسابات ويؤدي إلى تأجيل المشاريع.
انكماش التقييمات
إذا اعتقد المستثمرون أن نمو الذكاء الاصطناعي أصبح مقيدًا بتكاليف التمويل، فإن تقييمات السوق قد تهبط رغم استمرار التقدم التقني.
التأثيرات على الشركات والمستثمرين والجمهور
على الشركات
الحاجة إلى وضع خطط مالية أكثر صلابة تشمل اختبارات التحمل والبدائل التمويلية.
التفكير في مزيج التمويل: تقليل الاعتماد على الديون وزيادة التمويل الذاتي أو عبر الأسهم.
التركيز على الكفاءة التشغيلية وتوليد التدفقات النقدية بدلاً من الاعتماد فقط على وعود النمو.
على المستثمرين
الشركات ذات الأسس القوية والتدفقات النقدية المستقرة ستصبح أكثر جذبًا.
ستزداد أهمية التمييز بين "الضجيج" و"الاستدامة" في استثمارات الذكاء الاصطناعي.
مزودي البنية التحتية المساندة (العقارات، الطاقة، التبريد) قد يشهدون تحولات في الطلب.
على الجمهور والاقتصاد
تباطؤ محتمل في وتيرة مشاريع الذكاء الاصطناعي، خصوصًا تلك التي تعتمد على تمويل ضخم.
تأجيل أو إلغاء بعض المشاريع عالية التكلفة إذا لم تعد مربحة.
قد تتأخر الفوائد العملية للذكاء الاصطناعي في الوصول إلى الأسواق والمستهلكين.
ما الذي يجب مراقبته؟
تحركات منحنى العائد، خصوصًا عوائد السندات لأجل 10 و30 عامًا.
إعلانات الإنفاق الرأسمالي للذكاء الاصطناعي وكيفية تمويلها (ديون مقابل أسهم).
تعديلات توقعات الأرباح ونماذج التقييم الخاصة بقطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
آخر المستجدات
تقارير تحليلية حذرت من أن ارتفاع عوائد الخزانة قد يبطئ طفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، حتى مع استمرار الشركات الكبرى في ضخ مليارات في البنية التحتية.
رغم الضغوط، لا تزال بعض الصفقات مستمرة: فقد وسّعت شركة CoreWeave عقدها مع OpenAI بقيمة 6.5 مليار دولار، ما يدل على أن بعض المشاريع ستمضي قدمًا رغم التحديات.
الخاتمة
يبقى الذكاء الاصطناعي قوة تحولية كبرى تعد بإعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع. لكنه ليس منفصلًا عن الاقتصاد الكلي وأسواق المال. مع ارتفاع عوائد الخزانة، تتعرض الأسس المالية للمشاريع الممولة بالديون لضغوط متزايدة.
بالنسبة للشركات، هذا يعني ضرورة التحلي بانضباط مالي أكبر وتجنب التوسع المفرط. أما المستثمرون، فعليهم التمييز بين الشركات القادرة على الصمود في بيئة أسعار فائدة مرتفعة وتلك التي ستتعثر. وللمجتمع، قد يعني هذا أن الطريق نحو تبني الذكاء الاصطناعي سيكون أبطأ وأكثر حذرًا.
بكلمات أخرى: عصر الذكاء الاصطناعي الاستثماري الذهبي يواجه اختبارًا جديًا. النجاح سيعتمد على القدرة على التكيف مع بيئة تمويل أصعب، والابتكار في إدارة الموارد بقدر الابتكار في التقنية نفسها.