توقعات النمو العالمي ترتفع تدريجيًا مع رفع صندوق النقد الدولي لتقديراته إلى نحو 3.2% لعام 2025
التضخم في مسار نزولي
من أبرز النقاط الإيجابية في التقرير الجديد هو انخفاض معدلات التضخم العالمي بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا. فقد تراجعت أسعار الطاقة بشكل ملحوظ بعد استقرار الأسواق النفطية، كما بدأت أسعار المواد الغذائية في الانخفاض نتيجة تحسن الإنتاج الزراعي وهدوء اضطرابات النقل.
ويتوقع الصندوق أن يبلغ متوسط التضخم العالمي 4.2% خلال 2025، بعد أن كان عند مستويات قاربت 6% في 2024، وهو ما يعد تحولًا مهمًا نحو استعادة التوازن النقدي والمالي في معظم الاقتصادات.
ويرى الاقتصاديون أن هذا الانخفاض في التضخم قد يفتح الباب أمام البنوك المركزية لتخفيف سياساتها تدريجيًا، مما يعزز النشاط الاستثماري ويزيد فرص التمويل في القطاعات الإنتاجية، خاصة في مجالات الطاقة النظيفة، التكنولوجيا، والبنية التحتية.
المخاطر الجيوسياسية وسلاسل الإمداد
ورغم التحسن في النظرة المستقبلية، حذر صندوق النقد الدولي من أن الاضطرابات التجارية والجيوسياسية ما زالت تشكل تهديدًا رئيسيًا للنمو العالمي. فالتوترات المستمرة في بعض المناطق، إلى جانب القيود التجارية المتزايدة بين القوى الكبرى، يمكن أن تؤثر سلبًا على تدفق السلع والتقنيات، وتعيد إشعال التضخم مجددًا.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 60% من الشركات العالمية ما زالت تعاني من صعوبات في تأمين الإمدادات أو إعادة هيكلة سلاسلها، وهو ما يحد من قدرتها على التوسع. كما أن استمرار النزاعات في مناطق رئيسية من العالم قد ينعكس على أسعار الطاقة والنقل، مما يعيد الضغوط التضخمية إلى الواجهة.
التحدي المقبل: نمو مستدام لا مؤقت
في ختام تقريره، شدد صندوق النقد الدولي على ضرورة أن تركز الحكومات على تعزيز النمو المستدام طويل الأمد بدلاً من الاعتماد على الحوافز المؤقتة. ودعا إلى الاستثمار في التعليم، والتكنولوجيا، والبنية التحتية، وتحفيز الابتكار لرفع الإنتاجية.
كما حث الصندوق صناع القرار على الاستمرار في التعاون الدولي لتجنب الانقسام الاقتصادي، مؤكدًا أن التحديات العالمية (من التغير المناخي إلى الأمن الغذائي) تتطلب حلولًا مشتركة وليست منفردة.
نظرة ختامية
في المجمل، تمثل التوقعات الجديدة لصندوق النقد الدولي بارقة أمل وسط ضبابية الاقتصاد العالمي. فرفع تقديرات النمو إلى 3.2%، مع تراجع التضخم، يعكس بداية مرحلة من الاستقرار النسبي بعد سنوات من الاضطرابات.
ومع ذلك، يبقى الطريق نحو انتعاش قوي ومتين مليئًا بالعقبات، إذ تحتاج الاقتصادات الكبرى إلى موازنة دقيقة بين ضبط الأسعار وتحفيز النمو، بينما تسعى الدول النامية إلى تحقيق التوازن بين التمويل والاستثمار والإصلاحات الهيكلية.
لكن رغم كل ذلك، فإن التحسن البطيء أفضل من الجمود، وصوت صندوق النقد هذه المرة جاء ليؤكد أن العالم يتحرك أخيرًا (وإن بخطوات حذرة) نحو مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا.