وول ستريت ومؤشر فوتسي 100 يسجلان مستويات قياسية بعد تقرير التضخم الأميركي الذي عزز آمال خفض الفائدة
المخاطر التي تكمُن تحت السطح
رغم موجة الحماس، يحذر الخبراء من أن الأسواق قد تندفع بتفاؤل مفرط. فالرالي الحالي في الأسهم يستند إلى سيناريو مثالي مفاده أن التضخم سيتراجع تدريجيًا، والنمو سيبقى مستقرًا، والفائدة ستبدأ بالانخفاض قريبًا. لكن أي خلل في هذا التوازن قد يغير الاتجاه بسرعة.
فإذا جاءت البيانات الاقتصادية القادمة – مثل أرقام التوظيف أو الناتج المحلي أو الإنفاق الاستهلاكي – أقوى من المتوقع، فقد تتراجع فرص خفض الفائدة. كما أن أي توتر تجاري جديد بين الولايات المتحدة وكندا أو اضطراب في سلاسل التوريد العالمية قد يعيد الضغوط التضخمية إلى الواجهة.
وفي حين تحتفي أسواق الأسهم بالأمل، تبقى أسواق السندات أكثر حذرًا. فأي شكوك حول مسار التضخم قد تدفع العوائد إلى الارتفاع مجددًا، ما يضيق الأوضاع المالية ويقلب مسار الارتفاع الأخير في الأسهم.
الرابحون والخاسرون
بالنسبة إلى المستثمرين، تحمل بيانات التضخم الأخيرة وجهين. فمن جهة، تعزز احتمالات خفض الفائدة أسهم النمو، خصوصًا في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ومن جهة أخرى، فإن أي تأخير في قرارات الفيدرالي قد يضعف هذا الزخم بسرعة. لذا ينصح المحللون بالتركيز على القطاعات ذات الأسس المتينة والشركات التي تملك ميزانيات قوية.
أما بالنسبة إلى الشركات، فإن تراجع التضخم ولو قليلًا يمنحها بعض الراحة، خاصة مع احتمال انخفاض تكاليف التمويل قريبًا. لكن التضخم عند 3% يعني أن تكاليف الإنتاج والأجور ما زالت مرتفعة، ما يستدعي التحكم الدقيق في النفقات وتحسين الكفاءة التشغيلية.
أما المستهلكون، فهم أقل شعورًا بهذا التحسن. فارتفاع الأسعار ما زال ملموسًا، والقوة الشرائية لم تستعد عافيتها بعد. صحيح أن وتيرة ارتفاع الأسعار تتباطأ، لكن الضغوط المعيشية لا تزال تؤرق الأسر، ولا يبدو أن الانفراج الكامل قريب.
ما الذي يجب مراقبته الآن؟
تتجه الأنظار الآن إلى الاجتماع القادم لمجلس الاحتياطي الفيدرالي وتصريحاته المرتقبة. فهل سيشير إلى اقتراب خفض الفائدة، أم سيُبقي على لهجته الحذرة نظرًا لاستمرار التضخم فوق المستوى المستهدف؟
كما سيُراقب المستثمرون عن كثب البيانات المقبلة حول الوظائف والنمو الاقتصادي والإنفاق الاستهلاكي. فإذا جاءت هذه الأرقام أضعف من المتوقع، ستتعزز فرضية الخفض المبكر للفائدة. أما إذا أظهرت قوة في الطلب، فسيعود التشدد النقدي إلى الواجهة. كذلك ستبقى العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها، وخاصة مع الصين وكندا، عاملاً مؤثرًا في مسار التضخم وسلاسل الإمداد.
الخلاصة
أعاد تقرير التضخم الأخير الحيوية إلى الأسواق العالمية، من نيويورك إلى لندن. لكن خلف موجة التفاؤل هذه تكمن حقائق معقدة: التضخم لا يزال أعلى من الهدف، والنمو الاقتصادي هش، والسياسة النقدية لم تتضح بعد.
إن التوازن بين الأمل والحذر سيشكل عنوان المرحلة المقبلة. وحتى ذلك الحين، يبقى الواقع كما هو الأمل عاد إلى الطاولة، لكن طريق الاستقرار السعري لا يزال طويلًا ومتعرجًا.