تفاؤل أكبر لدى المديرين الماليين لكن شبح الرسوم الجمركية ما زال ماثلًا
تفاؤل أكبر لدى المديرين الماليين… لكن شبح الرسوم الجمركية ما زال ماثلًا
في عالم الأعمال، غالبًا ما يُعتبر المدير المالي (CFO) بمثابة بوصلة الشركة، إذ يقيس المخاطر، ويضع الاستراتيجيات، ويتنبأ بالمسارات المالية في ضوء التطورات الاقتصادية والسياسية. لذلك فإن استطلاعًا يشمل أكثر من 525 مديرًا ماليًا في الولايات المتحدة له دلالات مهمة ليس فقط للشركات، بل للأسواق والمستثمرين والجمهور عمومًا.
الاستطلاع الأخير الذي أجراه الاحتياطي الفيدرالي كشف عن تحسن في المزاج العام للمديرين الماليين، حيث أبدى كثير منهم تفاؤلًا أكبر مقارنة بالأشهر الماضية. هذا التحسن يرتبط بتراجع مستوى الغموض في السياسات التجارية العالمية، لكنه لا يلغي حقيقة أن الرسوم الجمركية ما زالت أكبر هاجس، وإن كان حضورها أقل حدة مما سبق.
نتائج الاستطلاع بالأرقام
30٪ من المديرين الماليين ذكروا أن الرسوم الجمركية تمثل أبرز تحدٍ أمام شركاتهم، مقارنة بـ 40٪ تقريبًا في استطلاع سابق.
التوقعات للعام 2025 تشير إلى ضغوط سعرية أقل نسبيًا، لكن معظم المشاركين يرون أن 2026 سيشهد ارتفاعًا واضحًا في التكاليف.
كثير من المديرين أشاروا إلى أن أثر الرسوم يتأخر في الظهور، بسبب طبيعة العقود طويلة الأجل، وسلاسل التوريد الممتدة، وسياسات التسعير التدريجية.
لماذا تحسن المزاج؟
استقرار نسبي في السياسة التجارية
السنوات الماضية اتسمت بقرارات مفاجئة ورسوم مفروضة دون إنذار. الآن هناك وضوح أكبر، ما يسمح للشركات بالتخطيط بثقة أكبر.
التأقلم مع الواقع الجديد
بدلاً من انتظار تغييرات جذرية، باتت الشركات تبني استراتيجيات للتعامل مع الرسوم: مثل تنويع الموردين، والتحوّط عبر المشتقات المالية، وإعادة هيكلة التكاليف.
هدوء نسبي في الاقتصاد الكلي
مع تراجع حدة التضخم ووضوح مسار أسعار الفائدة، تبدو البيئة الاقتصادية أقل اضطرابًا مما كانت عليه، ما ينعكس مباشرة على ثقة المديرين الماليين.
المخاطر التي لم تختفِ
رغم التفاؤل، هناك عدة تحديات تلوح في الأفق:
تمرير التكاليف إلى المستهلك: الشركات قد تضطر في النهاية إلى رفع الأسعار لتعويض التكاليف، وهو ما قد يقلل الطلب أو يضغط على القدرة الشرائية للمستهلك.
الأثر المتأخر للرسوم: الكثير من العقود الحالية لم تنتهِ بعد. بمجرد انتهاء آجالها، قد تبدأ الرسوم في الظهور بشكل أوضح في ميزانيات الشركات.
ضعف الطلب العالمي: إذا تباطأ الاقتصاد العالمي أو المحلي، فلن تتمكن الشركات من تعويض التكاليف عبر زيادة المبيعات، ما قد يضر بالهوامش.
التأثيرات على مختلف الأطراف
الشركات: تحتاج إلى تحسين إدارة الهوامش، واعتماد استراتيجيات مرنة للتوريد والتسعير.
المستثمرون: سيفضّلون الشركات ذات القوة التسعيرية والقدرة على امتصاص التكاليف. الشركات التي تفشل في ذلك قد ترى أسهمها تحت الضغط.
المستهلكون: على المدى القريب قد لا يرون زيادات كبيرة في الأسعار، لكن مع مرور الوقت قد تبدأ المنتجات المستوردة أو المعتمدة على مكونات خارجية بالارتفاع.
قطاعات تحت المجهر
الصناعات التحويلية: الأكثر تأثرًا بالرسوم بسبب اعتمادها الكبير على المواد الخام المستوردة.
التكنولوجيا: تواجه تحديات في سلاسل التوريد العالمية، لكن قدرتها على التسعير والابتكار تمنحها مرونة.
السلع الاستهلاكية: تعتمد على مزيج من مرونة المستهلك وأسعار المدخلات، ما يجعلها عرضة للتأثر سريعًا.
ما الذي يجب متابعته؟
إرشادات الأرباح وهوامش الربح: مع نهاية 2025 وبداية 2026، ستكشف توقعات الشركات عن مدى استعدادها لامتصاص تكاليف الرسوم.
قرارات السياسة التجارية: أي إعفاءات أو تخفيف في الرسوم قد يكون بمثابة دفعة قوية للأسواق.
أسعار المدخلات الأساسية: المعادن، الطاقة، وتكاليف الشحن هي مؤشرات سابقة لأي ارتفاع في أسعار السلع النهائية.
سلوك المستهلك: إذا استمر الإنفاق قويًا، قد تتمكن الشركات من تمرير التكاليف بسهولة أكبر.
المستجدات الأخيرة
في الأسابيع الماضية، أظهرت تقارير الإنفاق الاستهلاكي الأميركي متانة فاقت التوقعات. أسعار الطاقة بقيت متقلبة، لكنها لم ترتفع بشكل مقلق. في الأسواق المالية، استفادت قطاعات التكنولوجيا والصناعة من تحسن المعنويات، بينما بقيت بعض أسهم السلع الاستهلاكية تحت ضغط هوامش الربح.
رؤية مستقبلية
يبدو أن عام 2025 سيكون فترة انتقالية: استقرار نسبي في السياسات، تكاليف تحت السيطرة مؤقتًا، وتفاؤل حذر في أوساط المديرين الماليين. لكن 2026 قد يكون العام الحقيقي لاختبار مرونة الشركات، مع تزايد الضغوط المتأخرة للرسوم الجمركية وتكاليف السلاسل العالمية.
إذا استمر الاستقرار التجاري ونجحت الشركات في التكيف، فقد يكون التأثير محدودًا.
أما إذا تجددت التوترات التجارية أو تباطأ الاقتصاد العالمي، فإن التفاؤل الحالي قد يتراجع سريعًا.
الخلاصة
المديرون الماليون أكثر تفاؤلًا اليوم مما كانوا عليه قبل أشهر، وهذا بحد ذاته مؤشر إيجابي. لكن التحديات لم تختفِ: الرسوم الجمركية، بتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة، ما زالت تمثل حجر عثرة أمام النمو.
بالنسبة للشركات، الوقت الآن هو للتحضير لاختبارات الغد. وبالنسبة للمستثمرين، التركيز على الشركات الأكثر مرونة سيكون مفتاح النجاح. أما المستهلكون، فربما يعيشون فترة هدوء نسبي قبل أن تظهر موجة جديدة من الضغوط السعرية.
بكلمات بسيطة: التفاؤل موجود، لكنه تفاؤل مشوب بالحذر، والسنوات المقبلة ستحدد إن كان مبررًا أم مجرد استراحة قصيرة قبل عودة التحديات.