أداء قوي للشركات الأميركية الكبرى في الربع الثالث من عام 2025 مع تفوق 87% من شركات S&P 500 على تقديرات الأرباح
ومن الناحية النفسية، جاءت هذه النتائج بمثابة جرعة ثقة قوية للأسواق. فبعد فترة طويلة من التقلبات وضعف المعنويات، قدمت الأرقام أدلة ملموسة على أن ربحية الشركات بدأت تستقر من جديد، وأن المؤسسات الأميركية لم تعد تكتفي بالصمود أمام الضغوط التضخمية، بل أصبحت تتقن العمل في ظلها.
القطاعات الدافعة للنمو
عند التعمق في التفاصيل، يتضح أن قطاع التكنولوجيا والقطاع الاستهلاكي كانا أبرز محركات النمو. فقد استفادت شركات التكنولوجيا من الطلب المتزايد على الحلول المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والبنية السحابية، في حين شهدت الشركات الاستهلاكية انتعاشًا في الإنفاق بدعم من سوق عمل قوية وتراجع نسبي في التضخم.
أما القطاع المالي فقد قدم نتائج متباينة، إذ دعمت أسعار الفائدة المرتفعة أرباح الإقراض، بينما بقيت عوائد الاستثمار المصرفي محدودة. وفي قطاع الطاقة، ظلت الأرباح مستقرة مع تحركات متوازنة في أسعار النفط.
لكن رغم هذا التباين، فإن صورة الأداء العام تعكس قوة متوازنة عبر معظم القطاعات، مما يشير إلى أن الانتعاش لا يعتمد على قطاع واحد فقط بل على منظومة اقتصادية متكاملة.
الدلالات الاقتصادية
تتجاوز أهمية هذه النتائج حدود الأسواق المالية، إذ إنها ترسل إشارة إيجابية للاقتصاد الأميركي ككل. فالأرباح القوية عادةً ما تدعم زيادة الاستثمارات وتوسيع التوظيف وتحافظ على استقرار الأجور، وكلها عناصر تدفع نحو نمو الناتج المحلي الإجمالي.
ويرى بعض الاقتصاديين أن هذا الأداء قد يكون مؤشرًا مبكرًا على تحقق “الهبوط الناعم”، أي تباطؤ التضخم دون الدخول في ركود. كما أن متانة الأرباح تمنح مجلس الاحتياطي الفيدرالي مساحة أوسع للمناورة، إذ تدل على أن الاقتصاد قادر على تحمل أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول نسبيًا.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من الإفراط في التفاؤل. فالعوامل العالمية لا تزال معقدة: من تقلب أسواق الطاقة، إلى مخاطر سلاسل الإمداد، وارتفاع مستويات الدين الاستهلاكي. واستمرار هذا الزخم حتى عام 2026 سيتطلب توازنًا دقيقًا في السياسات والعمليات.
الصورة العامة
يمكن القول إن موسم أرباح الربع الثالث من عام 2025 يمثل شهادة على مرونة الشركات الأميركية ورؤيتها الاستراتيجية وانضباطها التشغيلي. إذ إن تفوق 87% من الشركات على تقديرات الأرباح، و83% على الإيرادات، يعكس كفاءة عالية في إدارة الموارد والاستجابة للتحديات.
وبالنسبة للمستثمرين، فإن الرسالة واضحة: الأسس الاقتصادية للشركات الأميركية لا تزال قوية رغم البيئة الاقتصادية المعقدة. أما استمرار هذه القوة في العام المقبل فسيعتمد على مسار النمو العالمي والتضخم والسياسة النقدية، لكن حتى الآن، لدى الأسواق ما تحتفل به ولدى الشركات ما تفخر به.