تراجع معايير الإقراض مع اندفاع الأسواق وراء العائدات المرتفعة

ومضة الاقتصادي

 

بدأ كبار المصرفيين ومديري الأصول يدقون ناقوس الخطر بشأن تراخي معايير الإقراض في أسواق الائتمان العالمية، محذرين من أن السعي وراء العائد يدفع البنوك والمقرضين من القطاع الخاص إلى مناطق أكثر خطورة. وتُعتبر حالات التعثر الأخيرة — مثل First Brands وTricolor — مؤشرات مبكرة على تراجع جودة الائتمان بعد سنوات من العوائد القوية.

سباق نحو العائد

وفقًا لكبار التنفيذيين في مؤسسات مثل Apollo وBlackstone وغيرها من مديري الأصول، فإن المقرضين باتوا يمنحون قروضًا لعملاء ذوي تصنيفات ائتمانية أقل أو يخففون شروط القروض (Covenants) للحفاظ على تدفق الصفقات والأرباح. ويظهر هذا الضغط بوضوح في أسواق الائتمان الخاص والقروض الممولة بالرافعة المالية (Leveraged Loans)، حيث لا تزال المنافسة على العملاء شديدة رغم حالة الغموض الاقتصادي الكلي.

ومع توقع تراجع أسعار الفائدة عالميًا، يواجه المقرضون بيئة عائدات متقلصة، ما يدفع كثيرين إلى المغامرة نحو المقترضين الأكثر خطورة — في مشهد يذكّر بسلوكيات ما قبل الأزمات المالية السابقة.

لماذا تتراجع المعايير؟

هناك ثلاثة عوامل هيكلية تقود هذا الاتجاه:

تقلص العوائد: مع تزايد التوقعات بخفض الفائدة، يسعى المقرضون إلى تحقيق عائدات أعلى قبل انخفاضها، حتى لو تطلّب ذلك قبول مخاطر أكبر.

الضغط التنافسي: البنوك والصناديق الخاصة تتنافس بقوة على حصة السوق، وغالبًا ما تتساهل في معايير الائتمان للبقاء في المنافسة.

ضغوط استثمار رأس المال: المؤسسات التي تملك رؤوس أموال غير مستثمرة تواجه ضغطًا من المساهمين لتحقيق عائدات، ما يدفعها إلى الموافقة السريعة على صفقات أقل جودة.

ورغم جاذبية الأرباح قصيرة الأجل، إلا أن العواقب طويلة الأمد قد تشمل ارتفاع معدلات التعثر وخسائر ائتمانية بمجرد تباطؤ النمو الاقتصادي.

علامات الإجهاد في النظام

رغم الأرباح القوية المُعلنة من بنوك كبرى مثل غولدمان ساكس وجي بي مورغان وسيتي غروب، حذر مسؤولوها من أن التفاؤل المفرط في بعض أسواق الإقراض قد يخفي هشاشة كامنة.

في أسواق القروض الممولة بالرافعة والائتمان الخاص، ارتفعت القروض المخففة الشروط (Covenant-lite) — وهي القروض التي تفرض قيودًا محدودة على المقترض — ما يقلل من حماية المقرضين في حال تدهور الأداء. في المقابل، قد تجد المؤسسات المالية الصغيرة نفسها مكشوفة بشكل خطير إذا تراجع الاقتصاد، نظرًا لهشاشة ميزانياتها.

المخاطر والعواقب

يشير صندوق النقد الدولي وعدة جهات تنظيمية إقليمية إلى تدهور جودة الائتمان كـ مخاطر نظامية رئيسية لعام 2025. ومع تباطؤ النمو العالمي وارتفاع حالات تعثر الشركات، قد تتضرر أولاً القطاعات الأضعف والأكثر مديونية.

خسائر ائتمانية: المقترضون الذين حصلوا على تمويل بشروط متساهلة قد يواجهون ضغوطًا مالية شديدة إذا تقلصت التدفقات النقدية.

تقلبات السوق: قد تشهد أسواق القروض الثانوية إعادة تسعير حادة واتساع فروقات العائد.

تشدد تنظيمي: إذا تصاعدت الخسائر، قد تتدخل البنوك المركزية لفرض رقابة أشد ومتطلبات رأسمالية أعلى على المقرضين ذوي المخاطر المرتفعة.

حتى الآن، لا تزال المخاطر تحت السيطرة، لكن التاريخ يشير إلى أن دورات الائتمان يمكن أن تنقلب بسرعة أكبر مما يُتوقع.

الانعكاسات على الأطراف المعنية

للمقترضين: الوصول إلى التمويل ما زال سهلًا — وربما أكثر من اللازم — لكن الشروط المتساهلة اليوم قد تتحول إلى عبء ثقيل إذا تغيرت أسعار الفائدة أو تباطأ النمو.

للمؤسسات المالية: الأداء القوي الحالي قد يأتي على حساب جودة الأصول مستقبلًا. من لا يشد معاييره مبكرًا، قد يواجه شطبًا مفاجئًا للأصول لاحقًا.

للمستثمرين: على حاملي السندات والمستثمرين في الصناديق مراقبة تعرضهم للائتمان عالي المخاطر أو قليل السيولة عن كثب.

ما الذي يجب مراقبته لاحقًا؟

إفصاحات البنوك: نسب القروض المتعثرة، ومستويات المخصصات، وتوزيع القروض حسب القطاعات قد تكشف عن بؤر ضغط مبكرة.

مؤشرات السوق: اتساع فروقات العائد على السندات عالية المخاطر أو زيادة حالات خرق شروط القروض ستكون إشارات مؤكدة على تراجع شهية المخاطرة.

الإشارات التنظيمية: من المتوقع أن تصدر البنوك المركزية تحذيرات أكثر وضوحًا بشأن ضوابط الإقراض وحدود الرافعة المالية.

الخلاصة

تُظهر دورة الائتمان الحالية إشارات إنذار مألوفة: مقرضون يطاردون العائد، ومستثمرون يقللون من تقدير المخاطر، ومقترضون يكدسون ديونًا تفوق أساسياتهم المالية. ورغم وفرة السيولة، إلا أن الأساس بدأ يضعف. وعندما تنقلب الدورة في النهاية، قد يجد من تجاهل معايير الإقراض المشددة نفسه في مواجهة الخسائر مجددًا — كما حدث من قبل.

تم نسخ الرابط