بريطانيا والولايات المتحدة تطلقان قوة مهام مشتركة لتنظيم الأسواق الرقمية ورأس المال: خطوة استراتيجية لعصر مالي جديد

ومضة الاقتصادي

بريطانيا والولايات المتحدة تطلقان قوة مهام مشتركة لتنظيم الأسواق الرقمية ورأس المال: خطوة استراتيجية لعصر مالي جديد

في خطوة تُعتبر الأولى من نوعها بهذا المستوى من التنسيق، أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة عن إطلاق "قوة المهام عبر الأطلسي لأسواق المستقبل"، وهي مبادرة تهدف إلى تقليل العوائق التنظيمية أمام تدفقات رأس المال وتعزيز التعاون في مجال الأصول الرقمية والعملات المشفرة. تأتي هذه الخطوة في وقتٍ يشهد فيه النظام المالي العالمي تحولات عميقة بفعل الرقمنة المتسارعة والتنافس بين المراكز المالية الكبرى.

أهداف المبادرة ومحاورها الرئيسية

المبادرة الجديدة ستقودها جهات تنظيمية ومسؤولون رفيعو المستوى من وزارتي المالية والهيئات الرقابية في كلا البلدين. وبحسب ما نقلته وكالات الأنباء، فإن القوة ستُعد تقريرًا خلال 180 يومًا، يضم توصيات على المدى القصير والبعيد. وتشمل الأهداف المعلنة:

تسهيل عمليات جمع رأس المال عبر الحدود، بما يتيح للشركات البريطانية والأميركية الوصول إلى مستثمرين وأسواق جديدة دون عقبات تنظيمية معقدة.

توحيد القواعد المنظمة للأصول الرقمية مثل العملات المشفرة وتقنيات التوكننة، في ظل الحاجة الملحة إلى أطر قانونية واضحة ومتسقة.

تعزيز تنافسية المملكة المتحدة في مرحلة ما بعد بريكست، بعدما فقدت بعض جاذبيتها أمام مراكز مالية مثل نيويورك وسنغافورة.

خلفيات ودوافع سياسية واقتصادية

تأتي هذه المبادرة على خلفية ضغوط متزايدة على لندن، حيث لجأت بعض الشركات إلى الإدراج في نيويورك أو أسواق أخرى بحثًا عن سيولة واستقرار أكبر. وفي المقابل، ترغب واشنطن في تعزيز مكانتها كمنظم رئيسي لأسواق رأس المال العالمية، خاصة مع صعود الأصول الرقمية التي تفرض واقعًا جديدًا.

كما أن التحولات في السياسة الأميركية، التي باتت أكثر انفتاحًا تجاه دمج العملات الرقمية والأصول المرمزة في النظام المالي التقليدي، أعطت دفعة قوية لهذا التوجه. ومن منظور جيوسياسي، يُنظر إلى هذه الخطوة أيضًا كإشارة على متانة "العلاقة الخاصة" بين لندن وواشنطن، في وقت يشهد فيه العالم تنافسًا محتدمًا بين الولايات المتحدة والصين على قيادة الابتكار المالي والتكنولوجي.

التحديات التي تواجه التنسيق التنظيمي

على الرغم من الطابع الطموح للمبادرة، فإنها ستواجه مجموعة من العقبات:

اختلاف الأولويات: بينما تركز بريطانيا على جذب الشركات ودعم أسواقها بعد بريكست، تولي الولايات المتحدة أهمية أكبر لحماية المستهلكين ومكافحة غسل الأموال.

التباين الضريبي والقانوني: القوانين الضريبية وقواعد الإفصاح تختلف بشكل جذري بين الجانبين، ما يجعل عملية التوحيد معقدة وبطيئة.

المخاطر السياسية: أي تغيير في الحكومات أو تبدل في السياسات الداخلية قد يؤدي إلى تعطيل مسار التنسيق.

الاختصاص القضائي: قضايا الإنفاذ عبر الحدود تثير تساؤلات حول المسؤوليات القانونية والامتثال، ما يزيد التكلفة على الشركات.

الفرص المحتملة للشركات والمستثمرين

رغم هذه التحديات، فإن المكاسب المحتملة كبيرة:

للشركات: قد تتمكن الشركات البريطانية من الوصول بشكل أسهل إلى المستثمرين الأميركيين، والعكس صحيح، مما يعزز تدفق رؤوس الأموال ويخفض تكاليف الإدراج.

لقطاع الأصول الرقمية: سيستفيد من وضوح أكبر في القوانين، ما يقلل من المخاطر التنظيمية ويفتح الباب أمام مزيد من الابتكار في مجالات مثل التوكننة والتمويل اللامركزي.

للمستثمرين: إمكانية الاستفادة من منتجات جديدة وزيادة السيولة عبر الحدود، إضافة إلى تحسين فرص تنويع المحافظ الاستثمارية.

انعكاسات على المشهد المالي العالمي

إذا نجحت هذه المبادرة، فقد تمثل نموذجًا للتعاون الدولي في مجال التنظيم المالي. وقد تشجع كيانات أخرى مثل الاتحاد الأوروبي أو سنغافورة على الدخول في شراكات مماثلة. وفي المقابل، فإن أي تعثر أو فشل قد يُضعف ثقة الأسواق في قدرة الحكومات على مجاراة سرعة الابتكار المالي.

التطورات الراهنة في الأسواق الرقمية

الإعلان عن قوة المهام جاء في وقت يتسم فيه سوق العملات الرقمية بالتقلب. فقد استقر البتكوين حول 63,800 دولار، بينما تم تداول الإيثريوم عند نحو 2,550 دولارًا. ويرى محللون أن أي وضوح تنظيمي إضافي، خصوصًا إذا جاء من قوتين ماليتين بحجم بريطانيا والولايات المتحدة، قد يعزز ثقة المستثمرين ويُسرّع من دخول المؤسسات المالية التقليدية إلى هذا المجال.

ما الذي يجب مراقبته؟

خلال الأشهر المقبلة، ستتركز الأنظار على:

محتوى تقرير قوة المهام في غضون ستة أشهر، وهل سيتضمن مقترحات ملزمة أم مجرد توصيات استرشادية.

الإجراءات الأولية مثل إطلاق مذكرات تفاهم أو مشاريع تجريبية مشتركة.

ردود فعل المؤسسات المالية الكبرى وشركات الأصول الرقمية، حيث قد تؤثر هذه الردود على سرعة تنفيذ المبادرة.

في المحصلة، تعكس هذه المبادرة رغبة لندن وواشنطن في إعادة رسم خريطة الأسواق المالية العالمية في عصر يتزايد فيه الاعتماد على الأصول الرقمية والتقنيات الجديدة. وبينما ستظل التحديات قائمة، فإن نجاحها قد يمهد الطريق لنظام مالي أكثر تكاملاً ومرونة، يربط بين جانبي الأطلسي ويعيد تشكيل قواعد اللعبة في الاقتصاد العالمي.

تم نسخ الرابط