باول يحذّر من مخاطر فقاعة الذكاء الاصطناعي وسط صراع الأسواق مع التقييمات المرتفعة
باول يحذّر من مخاطر فقاعة الذكاء الاصطناعي وسط صراع الأسواق مع التقييمات المرتفعة
المقدمة
أطلق جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، مؤخرًا تحذيرًا لافتًا: الحماس المفرط المحيط بالذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تضخم في بعض قطاعات السوق. ففي الوقت الذي يضخ فيه المستثمرون مليارات الدولارات في شركات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي بتوقعات عالية للأرباح المستقبلية، شدّد باول على أنّ النشاط الاقتصادي المرتبط بتطوير الذكاء الاصطناعي “غير اعتيادي وضخم”، ما يشير إلى أنّ التقييمات قد تسبق الأساسيات الاقتصادية. هذه الإشارات تهم الأسواق كثيرًا، لأنّ تصريحات رئيس الفيدرالي عادة ما تغيّر مسارات المستثمرين وتؤثر في المزاج العام.
ما الذي قاله جيروم باول؟
أكّد باول في أحدث تعليقاته أنّ هناك موجة كبيرة من الاستثمارات في البنية التحتية والتقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وهو نشاط لافت وغير تقليدي من حيث حجمه وسرعته. ورغم أنّه لم يقل إنّ الفقاعة انفجرت بالفعل، فإنّ حديثه أوحى بأنّ بعض القطاعات ربما تتعرض لمخاطر ارتفاع مبالغ فيه في التقييمات. كما شدّد على أنّ السياسة النقدية ليس لها “مسارات خالية من المخاطر”، في إشارة إلى صعوبة الموازنة بين السيطرة على التضخم والحفاظ على استقرار الأسواق في ظل هذه الموجة الاستثمارية.
لماذا يهم هذا التحذير؟
باول هو أقوى شخصية نقدية في العالم. كلماته وحدها قادرة على إعادة تسعير المخاطر في الأسواق. فإذا شعر المستثمرون بأنّ الفيدرالي قد يشدد السياسة النقدية لمواجهة تضخم التقييمات، فإنّ ذلك قد يؤدي إلى عمليات بيع واسعة وتقلبات أكبر. لذلك، فإنّ مجرّد التلميح بوجود مخاطر “فقاعة” في الذكاء الاصطناعي كافٍ لدفع المستثمرين لمراجعة حساباتهم.
ما المقصود بفقاعة الذكاء الاصطناعي؟
المقصود هو القلق من أنّ أسعار أسهم الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ارتفعت إلى مستويات لا تتناسب مع أرباحها الحالية أو حتى المتوقعة منطقيًا خلال السنوات المقبلة. هذه القفزات مبنية على وعود مستقبلية وتفاؤل مفرط، مدفوعًا بالخوف من تفويت الفرصة.
القطاعات الأكثر عرضة للنقاش في هذا السياق تشمل:
شركات تصنيع الرقائق والمعالجات الخاصة بالتعلم الآلي.
مزوّدو خدمات الحوسبة السحابية والبنية التحتية للبيانات.
الشركات المطوّرة للنماذج اللغوية الضخمة وتطبيقاتها.
شركات تقليدية تحاول الاستفادة من “شعار الذكاء الاصطناعي” دون أثر جوهري في منتجاتها.
شركات ناشئة بتقييمات ضخمة رغم محدودية إيراداتها.
أدلة تؤيد الفقاعة وأخرى تنفيها
الأدلة المؤيدة:
مضاعفات السعر إلى الأرباح (P/E) في شركات الذكاء الاصطناعي أعلى بكثير من متوسط السوق.
قفزات أسعار الأسهم ليست دائمًا متناسبة مع نمو الإيرادات الفعلي.
الحماس الاستثماري يذكّر بأسواق سابقة شهدت فقاعات.
الأدلة المعارضة:
بعض الشركات الرائدة تحقق بالفعل نموًا قويًا في المبيعات والأرباح.
استثمارات البنية التحتية عادة تسبق جني الأرباح الكبيرة، ما قد يعني أننا في بداية دورة طويلة.
محللون يرون أنّ الذكاء الاصطناعي لا يزال في مراحله المبكرة، وفرصه المستقبلية قد تبرر التقييمات العالية على المدى الطويل.
مخاوف باول بالتحديد
باول يشير إلى مخاطر رئيسية، منها:
تهديد الاستقرار المالي في حال اتساع الفجوة بين الأسعار والواقع الاقتصادي.
تدفّق الأموال المضاربية نحو مشاريع غير مثبتة تعيش على موجة “الذكاء الاصطناعي” أكثر من إنجازاتها الفعلية.
خطر السياسات النقدية: إذا رأى الفيدرالي أنّ السوق تتضخم بشكل مبالغ فيه، فقد يتدخل عبر إبقاء الفائدة مرتفعة أو تشديد السيولة.
تداعيات على الأسواق والمستثمرين
في حال تعززت قناعة الفقاعة: قد نشهد تصحيحات حادة في أسهم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وزيادة في التقلبات، وتحول رؤوس الأموال نحو قطاعات أكثر أمانًا.
للمستثمرين الحذرين: قد تكون الخطوة هي تقليل التعرض لأسهم مرتفعة المضاعفات والانتقال إلى شركات ذات أرباح مستقرة.
للمتفائلين بالذكاء الاصطناعي: الفرصة تكمن في انتقاء الشركات الرائدة ذات الأسس المالية المتينة وعدم الانجرار وراء كل قصة دعائية.
المخاطر التنظيمية والسياساتية
إلى جانب السياسة النقدية، هناك أيضًا مخاطر تنظيمية قد تؤثر على القطاع، مثل:
زيادة الرقابة على استخدامات الذكاء الاصطناعي وأثره في سوق العمل.
قضايا الاحتكار مع سيطرة عدد قليل من الشركات الكبرى على البنية التحتية.
قوانين حماية البيانات والخصوصية التي قد تعيق بعض النماذج أو تزيد تكاليفها.
ما الذي يجب متابعته؟
نتائج أرباح الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وغوغل وإنفيديا لمعرفة إن كانت الإيرادات تواكب التوقعات.
تصريحات الفيدرالي أو محاضر اجتماعاته التي قد تلمح لمخاطر التقييمات.
مؤشرات مثل مضاعفات الربحية المستقبلية ونسبة تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي مقابل تكاليفها.
أي فشل معلن في تطبيقات الذكاء الاصطناعي أو مبالغات لم تتحقق، والتي قد تؤثر سريعًا في ثقة السوق.
الخاتمة
الذكاء الاصطناعي يحمل وعودًا ضخمة بإحداث ثورة إنتاجية وتكنولوجية، لكن هذه الوعود قد تتحول إلى فخ إذا بالغ المستثمرون في التوقعات. تصريحات باول أشبه بإشارة ضوء أصفر: ليست إنذارًا بانفجار وشيك، لكنها دعوة للتروي وإعادة التقييم.
بالنسبة للمستثمرين، الرسالة واضحة: لا تنساقوا وراء الضجيج، بل ابحثوا عن الأسس المالية المتينة وأديروا المخاطر بذكاء. أما للأسواق، فإنّ تحذيرات باول قد لا توقف الموجة فورًا، لكنها قد تحد من سخونتها وتعيد التوازن بين الحلم والواقع.