ترامب يدفع نحو إلغاء التقارير الربعية للأرباح : تحول كبير يلوح في أفق الإفصاح المالي الأميركي
ترامب يدفع نحو إلغاء التقارير الربعية للأرباح: تحول كبير يلوح في أفق الإفصاح المالي الأميركي
على مدى عقود، كانت تقارير الأرباح الربعية بمثابة نبض وول ستريت. فكل ثلاثة أشهر، يترقب المستثمرون والمحللون ووسائل الإعلام أرقام الشركات الكبرى، بحثًا عن مؤشرات قوة أو ضعف. لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يعود مجددًا إلى طرح فكرة مثيرة للجدل: إلغاء التقارير الربعية والاكتفاء بالإفصاح نصف السنوي. وإذا مضى هذا التوجه قدمًا، فقد يشكل أحد أكبر التحولات في تاريخ الإفصاح المالي الأميركي.
الجديد في الطرح
ترامب أعاد إحياء الفكرة التي كان قد طرحها لأول مرة عام 2018 إنهاء إلزامية تقارير الأرباح الربعية للشركات المدرجة في البورصة الأميركية، والاكتفاء بتقديم نتائجها مرتين سنويًا. ويؤكد أن النظام الحالي يفرض أعباء مالية وإدارية ثقيلة، ويغذي هوسًا قصير المدى بالنتائج.
ويقول ترامب إن “التقارير الربعية مكلفة، مشتتة، وتدفع الشركات إلى مطاردة مكاسب مؤقتة بدلًا من التركيز على النمو طويل الأجل”. هذه الحجج تلقى صدى لدى العديد من الرؤساء التنفيذيين والمستثمرين الذين يرون أن نظام الإفصاح الأميركي بحاجة إلى إصلاح جذري.
لماذا قد يكون الوضع مختلفًا هذه المرة؟
الفكرة ليست جديدة، لكن الظروف الحالية قد تكون أكثر ملاءمة مما كانت عليه قبل سبع سنوات. فـ هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) تعمل في بيئة تنظيمية أكثر انفتاحًا على إصلاحات صديقة للأعمال.
إضافة إلى ذلك، بدأت أصوات مؤثرة في القطاع المالي تعبر عن دعمها. فقد أبدت الرئيسة التنفيذية لبورصة ناسداك استعدادها للنظر في تقليل وتيرة التقارير الإلزامية، معتبرة أن العديد من الشركات المتوسطة والصغيرة تتكبد أعباء غير ضرورية بسبب النظام الحالي.
في المقابل، عندما طرح الاقتراح عام 2018، واجه مقاومة شديدة من الجهات التنظيمية والمدافعين عن حقوق المستثمرين وخبراء الحوكمة، ما أدى إلى تعثره. اليوم، في ظل مناخ سياسي أكثر تقبلاً للتخفيف التنظيمي، يرى محللون أن الفكرة تملك فرصًا أفضل للتطبيق.
الحجج المؤيدة
المؤيدون يرون عدة فوائد لإلغاء التقارير الربعية:
خفض تكاليف الامتثال: إعداد التقارير الربعية يستنزف موارد كبيرة، خصوصًا للشركات الأصغر حجمًا. الانتقال إلى التقارير نصف السنوية قد يقلل هذه الأعباء بشكل ملموس.
تشجيع التخطيط طويل الأجل: يرى كثيرون أن النظام الحالي يفرض على التنفيذيين التركيز على “تحقيق الرقم” بدلًا من الاستثمار في الابتكار أو التوسع أو المشاريع المستدامة.
فوائد للاستثمار المستدام: بعض المستثمرين يعتقدون أن تقليل الضوضاء قصيرة المدى يمنح الشركات مساحة أكبر لإبراز التزاماتها تجاه معايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG).
التحديات والانتقادات
لكن هناك اعتراضات قوية أيضًا. المدافعون عن الشفافية يحذرون من أن تقليص الإفصاح إلى مرتين سنويًا قد يترك المستثمرين في حالة جهل لفترات طويلة. فإذا تعرضت شركة لأزمة مالية أو مخاطر تشغيلية أو حتى ممارسات احتيالية، فإن السوق قد لا يعلم بها إلا بعد مرور أشهر.
كما تثار مخاوف بشأن زيادة تقلبات السوق، إذ إن تراكم “الأخبار السيئة” قد يؤدي إلى صدمات سعرية حادة عند الإفصاح عنها دفعة واحدة. وإضافة إلى ذلك، حتى لو خففت الهيئة التنظيمية القواعد، فقد تظل كثير من الشركات الكبرى تقدم تقارير ربعية طوعًا استجابة لمتطلبات المستثمرين.
الأطر التنظيمية والقانونية
لتنفيذ اقتراح ترامب، تحتاج هيئة الأوراق المالية والبورصات إلى إطلاق عملية تشريعية رسمية تشمل مشاورات عامة وتحليلات جدوى اقتصادية، وصولًا إلى تصويت مفوضي الهيئة. وقد دعا ترامب الهيئة إلى جعل هذا الموضوع أولوية، فيما يتوقع محللون أن إطارًا للإفصاح نصف السنوي قد يرى النور بحلول عام 2027 إذا استمر الزخم.
وعلى المستوى الدولي، لن تكون الولايات المتحدة وحيدة. فعدة دول مثل المملكة المتحدة وأوروبية أخرى تطبق بالفعل نظام الإفصاح نصف السنوي، ما قد يجعل أميركا تلتحق بركب عالمي، رغم خصوصية أسواقها المالية الضخمة.
ردود الفعل وأصحاب المصلحة
الانقسام واضح بين أصحاب المصلحة:
المؤيدون: بعض مجموعات الأعمال، مستثمرون يركزون على الاستدامة، وإدارة ناسداك.
المعارضون: جماعات حماية المستثمرين، أكاديميون، ومدافعون عن الشفافية.
الموقف المختلط للشركات: البعض يرى في الإصلاح وسيلة لتقليل التكاليف، بينما يخشى آخرون من تراجع الثقة والعلاقة مع المستثمرين.
السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول:
إصلاح كامل الهيئة تفرض التقارير نصف السنوية، لكن الشركات الكبرى تستمر طوعًا في تقديم تقارير ربعية.
السيناريو الثاني:
نهج هجين: خيار للشركات بين النظامين، أو مرحلة انتقالية تدريجية.
السيناريو الثالث:
فشل المقترح: مقاومة قانونية وسياسية ومؤسساتية تؤدي إلى بقاء الوضع الراهن.
تداعيات على الأسواق والمستثمرين
بالنسبة للمستثمرين، فإن قلة البيانات قد تزيد من حالة عدم اليقين، وتجبر المحللين على الاعتماد بشكل أكبر على مصادر بديلة أو بيانات قطاعية. استراتيجيات التداول قصيرة الأجل قد تتأثر سلبًا، في حين قد يستفيد المستثمرون ذوو الرؤية طويلة المدى.
أما بالنسبة للشركات، فإن التحرر من ضغط النتائج الربعية قد يشجعها على إطلاق مشاريع أوسع وأكثر طموحًا، لكنه في الوقت ذاته قد يقلل من شفافية التوقعات على المدى القصير.
خاتمة
دعوة ترامب لإلغاء التقارير الربعية تعيد إحياء نقاش طويل حول التوازن بين الكفاءة والشفافية في الأسواق الأميركية. هذه المرة، ومع وجود دعم تنظيمي وأصوات اقتصادية مؤثرة، قد يكون للاقتراح فرصة حقيقية للنجاح.
لكن المقايضة واضحة: توفير التكاليف وتعزيز الرؤية طويلة المدى مقابل تراجع الإفصاح في الوقت المناسب. السنوات القادمة ستحدد ما إذا كانت الهيئة ستتبنى هذا التوجه، وكيف سيتفاعل المستثمرون والأسواق مع تغيير جذري في الإيقاع الذي اعتادوا عليه.
حتى ذلك الحين، سيظل نبض وول ستريت ربعيًا لكن إيقاعه قد يتغير قريبًا.