أسعار النفط تحت الضغط: زيادة إنتاج أوبك+ وتوقعات فائض المعروض يثقلان السوق
أسعار النفط تحت الضغط: زيادة إنتاج أوبك+ وتوقعات فائض المعروض يثقلان السوق
المقدمة: ما الصورة الحالية؟
تتعرض أسعار النفط لضغوط متزايدة في الأسابيع الأخيرة، رغم استمرار التوترات الجيوسياسية حول العالم. ففي حين اعتادت الأسواق أن تتلقى دعمًا من العقوبات والصراعات واضطرابات الإمدادات، فإن الوضع هذه المرة يبدو مختلفًا. السبب الرئيس هو زيادة المعروض من جانب أوبك+ والمنتجين من خارجها بوتيرة تفوق نمو الطلب، ما يفتح الباب أمام فائض كبير في السوق. وعلى الرغم من بقاء المخاطر الجيوسياسية قائمة، إلا أن المكاسب السعرية تبدو محدودة.
اتجاهات المعروض وخطوات أوبك+
أحد المحركات الرئيسة في المشهد الحالي هو سياسة الإنتاج لدى تحالف أوبك+:
ابتداءً من أكتوبر 2025، سيرفع التحالف إنتاجه بنحو 137 ألف برميل يوميًا، في خطوة تمثل جزءًا من التراجع التدريجي عن التخفيضات الطوعية التي تم تطبيقها سابقًا.
السعودية بدورها خفّضت أسعار البيع الرسمية لآسيا وعدة درجات أخرى، في إشارة واضحة إلى استعدادها للمنافسة على الحصص السوقية حتى ولو على حساب الأسعار.
من خارج أوبك، يواصل منتجون مثل الولايات المتحدة والبرازيل وكندا وغيانا تعزيز إمداداتهم، وهو ما يضيف إلى المعروض العالمي المتزايد.
تقارير الطاقة الدولية تشير إلى أن الزيادة في الإمدادات خلال عامي 2025 و2026 لا تقتصر على أوبك+ بل تشمل أيضًا موجة من الإنتاج القوي في الدول غير الأعضاء.
هذه التطورات مجتمعة تدفع السوق تدريجيًا نحو فائض قد يتسع ما لم يتدخل عامل مفاجئ يكبح المعروض أو يرفع الطلب.
توقعات الطلب وتراكم المخزونات
على صعيد الطلب، تبدو الصورة أقل إشراقًا:
النمو في الاستهلاك ما زال متواضعًا. بعض التقديرات تبقى متفائلة نسبيًا، لكن مؤسسات أخرى تتوقع نموًا ضعيفًا أو حتى مراجعات هابطة في عدة مناطق.
التباطؤ الاقتصادي في دول رئيسة، وتداعيات ارتفاع أسعار الفائدة، والمخاطر التجارية العالمية كلها عوامل تحد من شهية السوق للخام.
مع هذه الظروف، من المتوقع أن تتجه المخزونات العالمية نحو الارتفاع في النصف الثاني من 2025 وتمتد إلى 2026، ما لم تظهر مفاجآت إيجابية في الطلب أو تخفيضات إضافية في المعروض.
التوقعات المستقبلية للأسعار
في ضوء هذه المعطيات، يتجه العديد من التوقعات نحو مزيد من التراجع:
إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت حوالي 59 دولارًا للبرميل في الربع الرابع من 2025، مع احتمالية هبوط إضافي مع دخول 2026.
بعض المحللين يحذرون من أن استمرار الفائض وتراكم المخزونات قد يدفع الأسعار إلى ما دون 60 دولارًا بشكل أكثر استدامة.
توقعات أخرى، مثل تقديرات بعض البنوك الاستثمارية، تشير إلى أن فائض 2026 قد يكون أكبر قليلًا، وهو ما يزيد الضغوط ما لم يظهر طلب قوي أو عودة للتخفيضات.
العوامل الجيوسياسية ومخاطر السوق
رغم الاتجاه العام نحو انخفاض الأسعار، فإن المشهد لا يخلو من متغيرات غير محسوبة:
العقوبات والصراعات واضطرابات الإمدادات في مناطق إنتاج رئيسة ما تزال تمثل خطرًا قد يقلب الموازين ويرفع الأسعار مؤقتًا.
في المقابل، القرارات الاستراتيجية من كبار المنتجين، مثل خفض السعودية أسعارها الموجهة لآسيا، تؤكد أن المنافسة على الحصص السوقية تظل عنصرًا ضاغطًا إضافيًا على الأسعار العالمية.
ما الذي يجب مراقبته لاحقًا؟
هناك عدة مؤشرات حيوية على المتابعين رصدها في المرحلة المقبلة:
مستويات المخزونات في الدول الصناعية الكبرى، باعتبارها مؤشرًا مباشرًا على فائض المعروض.
تقارير الطلب من كبار المستهلكين مثل الصين والهند والولايات المتحدة وأوروبا.
مدى سرعة تنفيذ زيادات إنتاج أوبك+ وما إذا كانت قيود القدرة الإنتاجية ستحد من الأرقام المستهدفة.
رد فعل الأسواق المالية والمضاربين إذا تسارعت وتيرة التراجع السعري.
الانعكاسات على أصحاب المصلحة
المستهلكون: قد يستفيدون من تراجع أسعار الوقود إذا واصل العرض التفوق على الطلب، ما ينعكس في انخفاض أسعار البنزين والديزل ووقود التدفئة.
المنتجون: خاصة أصحاب التكاليف المرتفعة أو الحقول البعيدة عن موانئ التصدير، قد يواجهون ضغوطًا على هوامش أرباحهم، وقد يجد بعضهم صعوبة في الاستمرار إذا انخفضت الأسعار بشكل حاد.
المستثمرون والمتداولون: يواجهون بيئة شديدة التقلب، مع فرص لتحقيق مكاسب من تحركات الأسعار الهابطة أو الصاعدة المفاجئة، لكن المخاطر تظل مرتفعة.
الخلاصة
الصورة العامة تشير إلى أن ميزان سوق النفط يميل حاليًا نحو فائض المعروض، مع إنتاج متزايد يقابله نمو متواضع في الطلب وتوقعات بتراكم المخزونات. ومن ثم، تبقى الأسعار تحت ضغط واضح، مع ترجيحات بانخفاضها إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل بنهاية 2025 وربما في مطلع 2026.
ومع ذلك، تبقى الأحداث الجيوسياسية "ورقة جامحة" يمكنها تغيير الاتجاه بين ليلة وضحاها، سواء عبر عقوبات جديدة أو اضطرابات إمدادات أو تحسن غير متوقع في الطلب الآسيوي. وحتى حدوث ذلك، فإن التوقع الأقرب للواقع هو استمرار الميل نحو التراجع المعتدل بدلًا من أي صعود كبير.