سرد التضخم في منطقة اليورو: ارتفاع مؤقت والسياسة النقدية على وضع الانتظار
سرد التضخم في منطقة اليورو: ارتفاع مؤقت والسياسة النقدية على وضع الانتظار
شهدت منطقة اليورو خلال الأسابيع الأخيرة تغيرًا طفيفًا في مسار التضخم، حيث ارتفع مؤشر الأسعار المنسق (HICP) لشهر سبتمبر إلى 2.2٪ على أساس سنوي، فيما استقر التضخم الأساسي عند 2.3٪، بحسب بيانات رسمية. ورغم هذا الارتفاع المحدود، فقد أكد البنك المركزي الأوروبي أنه لن يتسرع في خفض أسعار الفائدة، مفضلًا التريث ومراقبة تطورات الاقتصاد قبل اتخاذ أي خطوات جديدة.
ويبدو أن البنك المركزي يسير وفق نهج “الصبر الاستراتيجي”، إذ تُظهر الأسواق أن أول خفض محتمل للفائدة لن يأتي قبل منتصف عام 2026، وهو ما يعكس قناعة متزايدة بأن التضخم ما زال تحت السيطرة، لكن خطر التراجع المفرط لا يزال قائمًا.
بين الخدمات والطاقة: توازن هش
يصف الخبراء هذا الارتفاع الأخير في التضخم بأنه انتعاش مؤقت ناتج بالدرجة الأولى عن تأثيرات القاعدة في أسعار الطاقة، أي المقارنة مع مستويات منخفضة جدًا في العام الماضي، وليس بسبب ضغوط جديدة في الأسعار. فبينما انخفضت تكاليف الوقود والغاز نسبيًا، ظلت أسعار الخدمات مرتفعة نتيجة استقرار الأجور وصعوبة تقليص تكاليف العمالة.
ويعزو الاقتصاديون ثبات الأسعار في الخدمات إلى استمرار نمو التوظيف ودعم الحكومات لقطاعات الإنفاق العام، خصوصًا الدفاع والبنية التحتية. هذا الدعم المالي – الذي يهدف إلى إبقاء النشاط الاقتصادي مستقرًا – ساهم في الحفاظ على الطلب المحلي ومنع الركود، لكنه في الوقت ذاته يبقي الضغوط التضخمية قائمة في بعض القطاعات.
سياسة نقدية “على الهامش”
في اجتماعه أواخر أكتوبر، أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أنه يرى توازنًا هشًا بين النمو والتضخم. فالتراجع المفرط في الأسعار قد يُعيد خطر الركود، بينما التسرع في التيسير النقدي قد يُغذي دورة تضخمية جديدة. لذلك، اختار البنك الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير ومواصلة تقليص ميزانيته العمومية تدريجيًا عبر تقليص إعادة استثمار السندات.
هذا الموقف المتريث يشبه ما فعله الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، لكنه أكثر تحفظًا. إذ ترى كريستين لاغارد، رئيسة البنك، أن السياسة النقدية بلغت مستوى تقييديًا كافيًا، وأن الوقت قد حان “لمراقبة النتائج لا لاتخاذ قرارات متسرعة”.
المخاطر التي تحيط بالمشهد
رغم التماسك الظاهري، تواجه منطقة اليورو ثلاثة تحديات رئيسية قد تعرقل استقرار الأسعار والسياسة النقدية:
خطر الهبوط الحاد في التضخم (Disinflation): في حال تراجع التضخم بسرعة دون المستوى المستهدف 2٪، قد يجد البنك المركزي نفسه مضطرًا لتيسير السياسة في وقت غير مناسب، مما يربك الأسواق.
جمود الأجور: ارتفاع الأجور دون زيادة في الإنتاجية قد يبقي الأسعار مرتفعة لفترة أطول، خصوصًا في قطاعات الخدمات والنقل.