الين يتراجع بعد تمسك بنك اليابان بسياساته ووزيرة المالية الجديدة تخفف لهجتها بشأن سعر الصرف
الاقتصاد المحلي بين دعم النمو وكبح التضخم
تواجه اليابان معضلة صعبة تتمثل في تحقيق نمو مستدام دون إشعال التضخم. فبعد سنوات طويلة من الانكماش وضعف الطلب المحلي، بدأ التضخم أخيراً بالارتفاع، مدفوعاً بزيادة أسعار الطاقة وضعف الين. لكن البنك يرى أن هذا الارتفاع مدفوع بالعوامل الخارجية أكثر من العوامل الداخلية، ولا يعكس بعد انتعاشاً حقيقياً في الطلب أو الأجور.
ولذلك، يتبنى البنك سياسة "الصبر النقدي"، إذ يفضل مراقبة تطورات الأجور ومؤشرات التضخم الأساسية قبل التفكير في رفع الفائدة. ومن المتوقع أن يظل التركيز خلال الأشهر المقبلة على اتفاقات الأجور الجديدة بين النقابات وأرباب العمل، والتي ستكون حاسمة في تحديد توقيت أي تعديل في السياسة النقدية.
انعكاسات على الأسواق العالمية
استمرار ضعف الين له تداعيات تتجاوز حدود اليابان. فهو يغذي شهية المستثمرين العالميين للاقتراض بالين واستثماره في الأصول ذات العوائد المرتفعة حول العالم، مما يعزز عمليات الكاري تريد ويؤثر على أسواق العملات الناشئة.
وفي الوقت نفسه، يعاني المستهلك الياباني من ارتفاع أسعار السلع المستوردة، بينما تستفيد الشركات المصدّرة من زيادة أرباحها المقومة بالدولار، ما يجعل المشهد الاقتصادي متبايناً بين فائزين وخاسرين داخل الاقتصاد الياباني نفسه.
ما الذي يجب مراقبته لاحقاً؟
سيكون التركيز في المرحلة المقبلة على ثلاثة عناصر رئيسية:
توجيهات بنك اليابان المستقبلية بشأن مسار السياسة النقدية، خاصة أي تلميحات لرفع الفائدة في 2025.
بيانات الأجور والتضخم، التي ستحدد ما إذا كانت الديناميكية السعرية الحالية قابلة للاستمرار.
أي إشارات من وزارة المالية حول احتمال التدخل في سوق الصرف، لا سيما إذا تجاوز الدولار مستوى 155 يناً.
خلاصة: بين الحذر والثقة
يعكس المشهد الحالي توازنًا دقيقًا بين السياسة النقدية الحذرة والسياسة المالية المتريثة. فاليابان لا تزال تسعى إلى تثبيت تعافيها الاقتصادي الهش دون المخاطرة باضطرابات مالية أو قفزات في التضخم.
لكن استمرار ضعف الين يحمل تحديات سياسية واقتصادية في آنٍ واحد، إذ قد يدفع الحكومة إلى إعادة النظر في أدواتها التدخلية إذا شعر المواطنون بثقل ارتفاع الأسعار. وحتى ذلك الحين، يبدو أن بنك اليابان متمسك بموقفه: لا رفع للفائدة قبل التأكد أن التضخم قد ترسخ حقاً، وليس مجرد انعكاس لعوامل خارجية عابرة.