حذر البنوك المركزية: لماذا يتحوّل مسار خفض التضخم في تركيا إلى تحذير عالمي
حذر البنوك المركزية: لماذا يتحوّل مسار خفض التضخم في تركيا إلى تحذير عالمي
بعد ثلاث سنوات من التقلبات الاقتصادية، وارتفاعات الأسعار، وأحد أسرع دورات التضخم في تاريخها الحديث، أصبحت تركيا مرجعًا غير متوقع لصنّاع السياسات النقدية حول العالم. للوهلة الأولى، تبدو نتائجها مشجعة: فقد تراجع التضخم من ذروته البالغة 85% في عام 2022 إلى نحو 31% بحلول نوفمبر 2025. وهذا التراجع ليس بسيطًا، فعديد من الاقتصادات كانت ستتمنى تسجيل نتائج مماثلة.
لكن خلف هذا التحسّن الظاهري تختبئ حقيقة أكثر تعقيدًا وتحذير عالمي.
تشير التحليلات الأخيرة، إلى أن تجربة تركيا تكشف خطورة خطوة قد تُغري الكثير من البنوك المركزية في العالم اليوم: خفض أسعار الفائدة مبكرًا أثناء مراحل خفض التضخم. ومع اقتراب عام 2026، يزداد الضغط على الحكومات لدعم النمو وإحياء الإقراض بعد سنوات من التشديد النقدي. لكن قصة تركيا تُظهر أن هذا الإغراء قد يكون أخطر مما يبدو.
إغراء التخفيف ولماذا قد يكون خطرًا
عانت الأسواق الناشئة من ضغوط كبيرة خلال السنوات الماضية. فتكاليف الاقتراض المرتفعة أرهقت المستهلكين، وأضعفت الشركات، وأبطأت الاستثمار. وبعد فترة طويلة من السياسات المتشددة، تتطلع الحكومات إلى تحريك عجلة الائتمان وتخفيف الضغوط الاجتماعية خصوصًا مع اقتراب الانتخابات في بعض البلدان.
وفي هذه الظروف، يبدو تراجع التضخم العام بمثابة نافذة للالتقاط: فرصة لخفض الفائدة وتحفيز الاقتصاد وإعلان نهاية الأزمة.
لكن هذا هو بالضبط ما يحذّر منه النموذج التركي.
فحتى مع تراجع الرقم العام للتضخم، ما تزال الضغوط السعرية الكامنة مرتفعة. فأسعار الطاقة والغذاء والأجور لا تزال تدفع التضخم نحو الأعلى. كما أن مشكلات هيكلية مثل ضعف سلاسل الإمداد، واحتياجات السوق العمالية، وتقلبات العملة تستمر في تغذية ارتفاع الأسعار.
وهنا مكمن الخطورة: عندما تركّز الحكومات على تراجع التضخم العام وتتجاهل ما يجري في العمق.
فخفض الفائدة مبكرًا قد يُشعل شرارة تضخمية جديدة، مما يمحو مكاسب سنوات من التشديد النقدي. وقد شهدت تركيا هذا السيناريو من قبل وهو ما تخشى البنوك المركزية في العالم تكراره.
المخاطر الأكبر على الأسواق الناشئة
تُظهر التجربة التركية أن المخاطر لا تتعلق بها وحدها، بل تشمل العديد من الاقتصادات المشابهة، وأبرزها:
1. عودة التضخم للارتفاع
إذا خفّضت البنوك المركزية الفائدة قبل الأوان، يمكن أن تعود الأسعار للارتفاع مجددًا، ما يضعف الدخل الحقيقي ويزعزع الاستقرار الاقتصادي.
2. فقدان المصداقية
مصداقية السياسة النقدية عنصر حاسم. فإذا شعر المستثمرون بأن البنك المركزي خضع لضغوط سياسية أو اتخذ قرارات غير محسوبة، فإنهم يطالبون بعوائد أعلى لتعويض المخاطر وهذا يزيد تكلفة الاقتراض.