البنوك الأوروبية تحت ضغط مع تباين التضخم بين الدول وارتفاع مخاطر تباعد سياسات البنك المركزي الأوروبي
البنوك الأوروبية تحت ضغط مع تباين التضخم بين الدول وارتفاع مخاطر تباعد سياسات البنك المركزي الأوروبي
على مدى عقد كامل، عملت منطقة اليورو وفق افتراض أساسي: أن التضخم يتحرك بشكل شبه متوازٍ بين الدول الأعضاء، مما يسمح للبنك المركزي الأوروبي بوضع سياسة نقدية موحّدة للمنطقة. إلا أن هذا الافتراض بدأ يتصدّع. فبيانات حديثة تُظهر ارتفاع التضخم مجدداً في بعض الاقتصادات في حين يبقى منخفضاً في دول أخرى مثل إسبانيا والبرتغال واليونان. هذا التباين المتزايد يخلق احتكاكاً سياسياً ويثير تساؤلات عن الاستقرار المالي، ويضع ضغوطاً جديدة على البنوك في المنطقة.
بالنسبة للقطاع المصرفي، فإن تباين أسعار الفائدة ليس مجرد ظاهرة اقتصادية عامة، بل عامل مباشر يؤثر على تكاليف الاقتراض وهوامش الفائدة والطلب على الائتمان ومستويات المخاطر عبر الميزانيات العمومية. ومع اتساع فجوة التضخم بين دول منطقة اليورو، يصبح المشهد المستقبلي للبنوك أكثر تشتتاً ما يثير قلق المستثمرين والجهات التنظيمية بشأن احتمال تزايد التباين في المخاطر الائتمانية بطريقة قد لا يكون الاتحاد النقدي مستعداً للتعامل معها.
مشهد تضخمي يتجه نحو التفكك
تأسست منطقة اليورو على مبدأ التقارب الاقتصادي، حيث كان من المتوقع أن تتحرك معدلات التضخم والأجور والإنتاجية تدريجياً نحو نطاق مشترك مع تعمّق الاندماج المالي. لكن البيانات الأخيرة تقدم صورة مختلفة.
فألمانيا تشهد ضغوطاً متزايدة في تضخم الخدمات واتفاقيات الأجور، بينما تبقى اقتصادات جنوب أوروبا مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان أقرب إلى هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2%. فرنسا تقف في موقع وسط، حيث تواجه ضغوطاً خدمية مستمرة لكنها تتمتع بتضخم سلع أقل حدّة.
هذا التباين يزيد صعوبة مهمة البنك المركزي الأوروبي. فإذا بقيت السياسة النقدية مشددة لاحتواء التضخم في ألمانيا، قد يؤدي ذلك إلى خنق النمو في اقتصادات تعاني أصلاً من تباطؤ. أما إذا تم تخفيف السياسة لدعم الدول الأضعف، فقد يرسّخ ذلك الزخم التضخمي في الدول الأقوى. البنك ملزم بتحديد معدل فائدة واحد، لكن المنطقة لم تعد تشترك في مشكلة تضخم واحدة.
لماذا يهمّ التباين بالنسبة للبنوك؟
تجني البنوك أرباحها من الفارق بين أسعار الفائدة على القروض والودائع. ومع تباين التضخم، تبدأ هذه الهوامش بالتحرك بطرق مختلفة عبر دول منطقة اليورو.
في الدول ذات التضخم المرتفع، قد تُضطر أسعار الفائدة للبقاء مرتفعة لفترة أطول، مما يدعم أرباح البنوك، لكنه في الوقت ذاته يزيد مخاطر تعثر المقترضين.
أما في الدول ذات التضخم المنخفض، فهناك ضغوط لخفض الفائدة، مما يضغط على هوامش الربح ويحدّ من قدرة البنوك على تحسين صافي دخل الفائدة.
هكذا يتشكل مشهد تنافسي غير متوازن: بنك يركز أعماله في ألمانيا قد يحقق أرباحاً قوية لكنه يواجه مخاطر تعثر أعلى، بينما بنك في البرتغال أو إسبانيا قد يتمتع بمقترضين أكثر استقراراً لكنه يعاني من تراجع الربحية.