التضخم والتقييمات: ضغوط مزدوجة تعيد رسم مشهد الأسواق العالمية
التضخم والتقييمات: ضغوط مزدوجة تعيد رسم مشهد الأسواق العالمية
في الوقت الذي تحاول فيه الأسواق استعادة توازنها بعد فترة من التقلبات وضعف البيانات، تبرز قضيتان أساسيتان تشكلان محور النقاش المالي العالمي: التضخم والتقييمات المرتفعة. وبينما تشير بعض القراءات إلى تراجع نسبي في مستويات التضخم، فإن المستثمرين ما زالوا “يستعدون لقبضة تضخمية أطول مما كان متوقعًا”، بالتزامن مع تقييمات مرتفعة بشكل لافت ولا سيما في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
هذا المزيج يضع الأسواق أمام ضغوط مزدوجة، ويخلق بيئة مختلفة تمامًا عن تلك التي اعتادت عليها خلال العقد الماضي. فبعد سنوات من تحفيز نقدي غير محدود، وأسعار فائدة منخفضة، ونمو شبه مستمر، يبدو أن عصرًا جديدًا يفرض نفسه، ويحتاج المستثمرون والأعمال والجمهور لتحديث نظرتهم إليه.
التضخم: عبء يتراجع ببطء ولكنه لم ينتهِ بعد
رغم التراجع النسبي في بعض مؤشرات الأسعار، فإن التضخم ما يزال يمثل تحديًا رئيسيًا. وتبرز ثلاثة عوامل رئيسية تقف خلف استمرار الضغوط التضخمية:
1. ضغوط التكاليف التشغيلية
تكاليف الإنتاج لم تتراجع بالشكل الكافي في العديد من القطاعات، سواء بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام، أو اضطرابات سلاسل الإمداد، أو زيادة تكاليف الشحن. ورغم استقرار بعض هذه العوامل، إلا أن الشركات لا تزال تتحدث عن ضغوط هيكلية لم تُحل بالكامل.
2. تضخم الأجور
سوق العمل الأميركي، رغم إشارات التباطؤ، ما يزال متماسكًا، ما يدفع الشركات لرفع الأجور للحفاظ على العمال. ورغم إيجابية هذا الأمر للمستهلكين، فإنه يشكّل تكلفة إضافية تدفع بعض الشركات إلى رفع الأسعار لتعويضها.
3. سلاسل الإمداد العالمية
لا تزال آثار الأعوام الماضية تلقي بظلالها، فاضطرابات الشحن العالمية، وتغير سياسات التجارة، والانتقال نحو "إعادة التوريد المحلي" أو "تقليل الاعتماد على الخارج" كلها عوامل تحافظ على مستوى معين من التوتر في كلفة الإنتاج.
وهذا كله يعني أن التضخم، وإن تراجع في واجهة الأخبار، لم يتراجع بالكامل في جيوب المستهلكين أو على دفاتر الشركات.
التقييمات المرتفعة: الوجه الآخر للضغط
في الوقت الذي تكافح فيه الشركات لمواجهة التضخم، تواجه الأسواق ضغطًا آخر: ارتفاع التقييمات، خصوصًا في قطاعات التكنولوجيا التي استفادت من طفرة الذكاء الاصطناعي.
ففي قطاعات مثل الرقائق، البرمجيات، والحوسبة السحابية، وصلت نسب السعر إلى الأرباح إلى مستويات أعلى من المتوسطات التاريخية. ورغم أن النمو المتوقع في الذكاء الاصطناعي قد يبرر جزءًا من هذه التقديرات، إلا أن الكثير من المستثمرين متخوفون من:
مبالغة في التوقعات على المدى القريب
بطء في تحقيق العوائد الفعلية
احتمال حدوث تصحيح قوي إذا جاءت أرباح الشركات دون الطموحات
وتصبح الصورة أكثر تعقيدًا عندما نضع التضخم في المعادلة: فارتفاع التكاليف قد يقلّص هوامش الشركات، ما يجعل التقييمات العالية أكثر هشاشة.