يخطط الاتحاد الأوروبي لإجراء إصلاح شامل لشبكة الطاقة لمعالجة الاختناقات عبر الحدود وتعزيز جهود إزالة الكربون
في عالمٍ يسابق الزمن لخفض الانبعاثات الكربونية مع الحفاظ على استقرار تدفّق الكهرباء، يشرع الاتحاد الأوروبي في واحد من أوسع مشاريعه الطاقية منذ عقود: إصلاح شامل لشبكات الكهرباء العابرة للحدود. قد لا يبدو الأمر جذّابًا أو مثيرًا بصريًا لكن هذا التحوّل الهادئ قد يحدد شكل قدرة أوروبا على الصمود اقتصاديًا، ويؤثر في تقدّمها نحو أهداف المناخ وأمن الطاقة لسنوات طويلة قادمة.
في جوهره، يعتمد المشروع على فكرة بسيطة: تحديد نقاط الاختناق الأكثر إلحاحًا في شبكات الكهرباء بين الدول الأوروبية، ثم الاستثمار في تطويرها لتمكين تدفّق الطاقة بشكل أكثر سلاسة. لكن تأثيراته أعمق بكثير من مجرد ترقيات هندسية، فهو يمتد ليطاول مسار التحوّل الأخضر برمّته من كيفية تبادل الكهرباء المتجددة بين الدول، وصولًا إلى استقرار أسعار الطاقة وطريقة اتخاذ الشركات قراراتها الاستراتيجية.
لماذا يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تحديث شبكاته الآن؟
شبكات الكهرباء الأوروبية لم تُصمَّم في الأصل لتخدم سوقًا موحَّدة للطاقة. لسنوات طويلة، ركّزت الدول على بناء شبكات وطنية تلائم احتياجاتها الداخلية، في زمن كانت فيه محطات الفحم والغاز والطاقة النووية تُنتج كهرباء ثابتة ومنتظمة. اليوم، لم يعد هذا النموذج قادرًا على مواكبة الواقع الجديد: مزيج متنامٍ من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا يعترف بالحدود ولا ينتج الطاقة بالقدر نفسه في كل الأوقات.
وتتزايد مخاوف قادة أوروبا من هذه الفجوة. ففي ليالٍ عاصفة في إسبانيا أو الدنمارك، قد تولّد التوربينات طاقة تفوق قدرة الشبكات على استيعابها، بينما تشهد دول أخرى نقصًا يدفعها للاعتماد على واردات مكلفة أو محطات تقليدية احتياطية. هذه الاختلالات تؤدي إلى هدر مالي وطاقي، وتعرقل التقدّم نحو أهداف المناخ وتضعف القدرة التنافسية للاقتصاد الأوروبي.
وقد حذّر مفوض الطاقة الأوروبي مرارًا من التكلفة الباهظة لشبكات مجزأة ومتوترة سواء من الناحية التشغيلية أو البيئية أو الجيوسياسية. ومع تزايد الضغوط لتحقيق التزامات إزالة الكربون، وتثبيت أسواق الطاقة المضطربة، باتت عملية التحديث ضرورة ملحّة.
بين تكلفة ضخمة ومكاسب طويلة الأمد
السؤال الذي يرافق كل مشروع بنية تحتية كبير هو: من سيدفع الفاتورة؟ تحديث شبكة الكهرباء الأوروبية قد يتطلب استثمارات هائلة قد تصل إلى مئات المليارات من اليورو خلال العقود المقبلة. تشمل هذه الاستثمارات إنشاء خطوط نقل جديدة بجهد عالٍ، وتعزيز الشبكات القائمة، وإضافة أنظمة رقمية متطورة لإدارة تدفّق الكهرباء لحظة بلحظة.
لكن التحدّي ليس ماليًا فقط. فتنسيق الجهود بين 27 دولة عملية معقدة وبطيئة. حتى عند توفر المال، قد تتعطل المشاريع بسبب اعتراضات محلية، أو تأخر إجراءات التقييم البيئي، أو خلافات بين الهيئات التنظيمية.
كما أن تنفيذ مشاريع خطوط النقل يستغرق عادةً سنوات طويلة، وقد لا تظهر فوائدها إلا مع نهاية العقد الحالي أو بعدها. بالنسبة لصانعي السياسات الذين يتحركون وفق دورات انتخابية قصيرة، يكون هذا الأمر صعبًا سياسيًا.
ومع ذلك، فإن المكاسب المستقبلية قد تعوّض هذه الصعوبات. فالشبكات الأكثر ترابطًا تُخفّض تكلفة الطاقة عبر السماح للدول بالاستفادة من كهرباء متجددة أرخص لدى جيرانها. كما أنها تُقلل الحاجة إلى بناء محطات احتياطية تعمل بالوقود الأحفوري، وتعزّز أمن الطاقة من خلال تنويع مصادرها وهي دروس اكتسبتها أوروبا بصعوبة خلال السنوات الأخيرة.