الخسارة بأناقة: لماذا يخطط المتداولون الكبار لفترات التراجع
الخسارة بأناقة: لماذا يخطط المتداولون الكبار لفترات التراجع
يدخل كل متداول السوق وهو يأمل بالفوز باستمرار، ومع ذلك يفهم المحترفون حقيقة أساسية: فترات التراجع أمر لا مفر منه. تتحرك الأسواق في دورات، وتعلو المشاعر وتهبط، وتحدث أحداث غير متوقعة دون إنذار. والفرق بين المبتدئين الذين ينسحبون سريعاً والمتداولين الناجحين الذين يستمرون لعقود لا يكمن في تجنب الخسائر بالكامل، بل في إدارتها بوعي وانضباط.
يُعد التخطيط لفترات التراجع أحد أهم عناصر النجاح على المدى الطويل، لكنه غالباً مُهمل من قبل المتداولين الجدد. فبينما ينشغل المبتدئون بالبحث عن نقاط الدخول والاستراتيجيات والمؤشرات، ينفق المتداولون الكبار المقدار نفسه من الوقت في التحضير للفترات التي يتراجع فيها أداء استراتيجياتهم. إن فهم التراجعات أمر أساسي لكل من يسعى لبناء مسيرة تداول مستدامة.
يستعرض هذا المقال لماذا يتوقع المحترفون الخسائر، وكيف يصممون أنظمتهم لتحملها، وكيف يمكنك تطبيق نفس المبادئ في تداولك. سواء كنت مبتدئاً تحاول الاستمرار أو متداولاً متوسطاً يبحث عن الاستقرار، فإن مهارة "الخسارة بأناقة" قد تكون أهم مهارة تطوّرها.
شرح المفهوم: ما هي فترة التراجع ولماذا تُعد مهمة؟
تشير فترة التراجع (Drawdown) إلى مقدار انخفاض رصيد حساب التداول من أعلى نقطة وصل إليها إلى أدنى مستوى بعدها. تُقاس كنسبة مئوية، وتعكس حجم الخسارة التي يتعرض لها الحساب خلال فترات الخسائر أو الظروف السوقية السيئة.
أنواع التراجعات
تراجع في حقوق الحساب (Equity Drawdown): يشمل الصفقات المفتوحة والمغلقة.
تراجع في الرصيد (Balance Drawdown): يعتمد على الصفقات المغلقة فقط.
أقصى تراجع (Maximum Drawdown): أكبر هبوط بين قمة وقاع خلال فترة زمنية.
التراجع النسبي مقابل المطلق: النسبي مقارنةً بأعلى قيمة وصل إليها الحساب، والمطلق مقارنةً برأس المال الأولي.
فهم هذه الأنواع يساعد المتداول على تقييم أداء الاستراتيجية وتحمل المخاطر والجدوى الطويلة الأمد.
لماذا يهتم كبار المتداولين بالتراجعات؟
حماية رأس المال: رأس المال هو أساس التداول، وضياعه يجعل التعافي أصعب.
ضمان بقاء الاستراتيجية: حتى أفضل الاستراتيجيات تمر بفترات أداء ضعيف.
الحفاظ على الاستقرار النفسي: توقع الخسائر يقلل الذعر وردّات الفعل العاطفية.
نمو آمن لرأس المال عبر الوقت: كلما كان التراجع أقل، كان التعافي أسرع وأسهل.
الرياضيات خلف التراجعات
ما يغفله كثير من المبتدئين هو مدى صعوبة التعافي من الخسائر الكبيرة:
| التراجع (%) | النسبة المطلوبة للتعافي (%) |
|---|---|
| 10% | 11.1% |
| 20% | 25% |
| 30% | 42.8% |
| 50% | 100% |
| 70% | 233% |
كلما زاد التراجع، ازداد الجهد المطلوب للعودة، وهذا يفسّر هوس المحترفين بالحفاظ على خسائر صغيرة.
التطبيقات العملية: كيف يستخدم المتداولون مفهوم التراجع؟
يدمج كبار المتداولين الاعتبارات المتعلقة بالتراجع في معظم أجزاء منظومة تداولهم. إليك بعض الطرق العملية:
1. تحديد حجم الصفقة بناءً على أقصى خسارة مقبولة
المحترفون لا يستخدمون حجم ثابت لكل صفقة، بل يحددون مسبقاً مقدار الخسارة المقبولة:
المخاطرة لكل صفقة عادة بين 0.5% و2% من الحساب.
المخاطرة الإجمالية للمحفظة تُضبط عند 5–10% حسب التقلب.
عند ارتفاع التقلب، يخفضون الحجم تلقائياً.
2. استخدام نسب مخاطرة/عائد تتحمل فترات الخسائر
حتى الاستراتيجيات ذات معدلات الربح المتدنية قد تكون مربحة إذا كانت الخسائر صغيرة والأرباح كبيرة.
3. اختبار الاستراتيجيات في ظروف سوقية قاسية
مثل:
الأزمات الاقتصادية
الفترات عالية التقلب
الأسواق الراكدة
انخفاض السيولة
ثم يعتمدون أسوأ تراجع تاريخي كنقطة مرجعية.
4. وضع حدود خسارة يومية/أسبوعية
للحد من الانهيارات النفسية:
إيقاف التداول لليوم بعد خسارة 3–5%.
التوقف أسبوعاً إذا تجاوزت خسائر الشهر 10%.
التوقف عند ملاحظة تأثير عاطفي واضح.
5. تنويع الاستراتيجيات والأصول
باستخدام:
متابعة الاتجاه
الارتداد من المتوسط
الاختراقات
صفقات سوينغ طويلة الأمد
أصول مختلفة (عملات، سلع، أسهم، مؤشرات، عملات رقمية)
التنويع يخفف حدّة التراجعات.
أمثلة ودراسات حالة
دراسة حالة: المتداول الهادئ مقابل المتداول المذعور
تخيل وجود متداولين، كلاهما يبدأ بـ10,000 دولار.